مع حلول شهر أكتوبر من كل عام ، يكتسي العالم باللون الوردي . لون يرمز إلى التضامن مع النساء في معركتهن ضد سرطان الثدي ، وهو أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين النساء في العالم ، لذلك يعتبر هذا الشهر هو تذكير جماعي بأن سرطان الثدي يمكن هزيمته متى ما توفر الوعي المجتمعي، والفحص المبكر ، والدعم النفسي والاجتماعي .
الوعي هو السلاح الأول في هذه المعركة . فكلما زاد إدراك النساء بخطورة المرض وطرق الوقاية منه، زادت فرص النجاة . والتشخيص المبكر يظل العامل الفارق والمهم والضروري بين الخطر والأمان .
الحقائق والأرقام تكشف الصورة بوضوح . وفقًا لتقرير GLOBOCAN 2020، يبلغ معدل الإصابة بسرطان الثدي بين النساء في السودان نحو 41.2 حالة لكل 100,000 امرأة . ومعظم الحالات تُكتشف في مراحل متأخرة — الثالثة أو الرابعة — بسبب ضعف التوعية وتأخر الوصول إلى المراكز الطبية .
دراسة من مركز الخرطوم للأشعة والايزوتوب (RICK) أوضحت أن نسبة النجاة بعد خمس سنوات تبلغ نحو 79% للحالات التي تُشخَّص مبكرًا ، بينما تنخفض إلى أقل من 10% عند اكتشاف المرض في مرحلته الرابعة . كما أن متوسط فترة التأخير بين ظهور الأعراض والتشخيص في السودان ما قبل الحرب يصل إلى 13 شهرًا . وهذا وقت طويل وثمين ، يجعل المرض أكثر خطورة ويقلل من فرص الشفاء .
في السودان ، تواجه النساء تحديات خاصة . فضعف البنية الصحية ونقص الأجهزة والأدوية المتخصصة في الكشف والعلاج يمثلان عقبة كبيرة . كما أن ارتفاع كلفة العلاج يزيد من معاناة الأسر ، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة . الخدمات الصحية تتركز في العاصمة ، بينما تُحرم المناطق الريفية والهامش من فرص التشخيص والعلاج المبكر . وزاد الوضع سوءًا بسبب الحروب والنزاعات التي عطّلت الخدمات الطبية في ولايات عديدة .
لكن المعركة ضد سرطان تظل إنها معركة إنسانية شاملة . النساء المصابات يحتجن إلى دعم نفسي واجتماعي حقيقي . فالكلمة الطيبة قد تكون دواء ، والزيارة الصادقة قد تبعث الأمل ، والمساندة المجتمعية قد تختصر نصف طريق الشفاء . الدعم الأسري ، والابتسامة ، ومشاركة الألم هي كلها عناصر لا تقل أهمية عن العلاج الطبي نفسه .
ولكي نكسب هذه المعركة ، يجب أن نتحرك بوعي ومسؤولية . التوعية والفحص المبكر هما الأساس . على كل امرأة أن تتعلم الفحص الذاتي ، وأن تراجع الطبيب عند ملاحظة أي تغير غير طبيعي . كما يجب أن تمتد حملات التوعية إلى الأرياف والمناطق المهمشة ومعسكرات النازحين ، لا أن تبقى حبيسة المدن الكبرى .
من الضروري أيضًا دعم الجهود المجتمعية والإنسانية التي تعوض ضعف الدولة . المبادرات الشعبية يمكن أن توفر الأدوية ، وتساعد في تكاليف العلاج ، وتخفف من الأعباء المالية على الأسر . كما أن إنشاء سجل وطني موحّد لسرطان الثدي سيتيح للدولة والمجتمع فهم حجم المشكلة ووضع سياسات فعالة لمواجهتها .
في نهاية المطاف ، يظل شهر أكتوبر الوردي رسالة أمل أكثر من كونه موسمًا للحزن . سرطان الثدي يمكن الانتصار عليه . فالنسبة العالمية للشفاء تتجاوز 90% عند اكتشاف المرض في مراحله الأولى . وفي السودان ، هناك نساء شجاعات أثبتن أن الوعي والإصرار يمكن أن يهزما الخوف والمرض معًا .
فلنحوّل اللون الوردي من رمز للخوف إلى شعار للقوة والأمل . ولنقف جميعًا — نساءً ورجالًا — في صف واحد ضد سرطان الثدي . بالعلم ، وبالفحص ، وبالوعي... كي لا تُهزم الحياة أمام المرض .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة