تلقيت تعقيبا من استاذنا محمدالمنتصر عبدالله عيسى المهتم بالنهضة الانمائية تعقيبا علي سلسلة مقالاتنا حول المنتدي الذي شارك به وزير الزراعة والري السوداني ورجل الأعمال وجدي ميرغني واستضافه معهد الدوحة للدراسات العليا بتنظيم رابطة الزراعيين ونشاركه والقراء للفائدة .. ذكر المنتصر ان :
في الزمن الذي تتشابك فيه الأزمات المناخية والغذائية، وتتعثر فيه الاقتصادات أمام تحديات الاستدامة، تبرز الزراعة كقاطرة استراتيجية للتعافي، لا بوصفها قطاعًا إنتاجيًا فحسب، بل كمنظومة متكاملة تعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان والأرض، وتفتح آفاقًا جديدة للعدالة والسيادة والتنمية.
هذا ما أكدته الندوة التي جمعت خبراء ومفكرين وسفراء في حوار عميق حول مستقبل الاقتصاد الأخضر، ودور الزراعة في بناء مجتمعات أكثر مرونة وإنصافًا. وقد تناولت الأستاذة عواطف عبداللطيف هذا الحدث بمقالٍ بديع، وصفته بحق بأنه "منارة فكرية"، لا مجرد تقرير صحفي.
" الزراعة من التربة إلى السيادة "
الزراعة ليست نشاطًا تقليديًا، بل فعل سيادي، وركيزة لتحقيق الأمن الغذائي والاستقلال الاقتصادي. في ندوة الدوحة، طُرحت نماذج من دول أعادت هيكلة اقتصادها عبر الاستثمار في الزراعة الذكية، مستفيدة من التقنيات الحديثة، والابتكار في سلاسل القيمة، والتكامل بين الريف والحضر. هذه النماذج أثبتت أن الزراعة يمكن أن تكون منصة للابتكار، ومجالًا جاذبًا للشباب، ومصدرًا مستدامًا للدخل.
وقد أحسنت الكاتبة حين وصفت الزراعة بأنها "القاطرة الممكنة لأي تعافٍ اقتصادي"، وهي كذلك، إن توفرت لها السياسات الرشيدة، والإرادة السياسية، والحوكمة النزيهة. فالأرض لا تُثمر إلا إذا غُسلت الأيدي من الفساد، وهي عبارة تستحق أن تُكتب بماء الذهب.
الزراعة المستدامة: عدالة ومقاومة
الزراعة المستدامة تخلق بيئة اقتصادية أكثر عدالة، حيث يُمكن لصغار المزارعين أن يصبحوا فاعلين في السوق، إذا ما توفرت لهم الأدوات والدعم. كما أن تعزيز الزراعة المحلية يقلل من الاعتماد على الاستيراد، ويعزز السيادة الغذائية، وهو ما يمثل خطوة استراتيجية في ظل تقلبات الأسواق العالمية.
وفي مواجهة التغير المناخي، تصبح الزراعة أداة مقاومة لا ضحية، من خلال تبني أساليب الزراعة المحافظة على الموارد، وإعادة تأهيل الأراضي، وإشراك المجتمعات المحلية في صنع القرار. وهنا يحضر قول النبي ﷺ:
> "ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة" فهي عبادة قبل أن تكون صناعة.
دعوة للتفكير المحلي والعمل الجماعي
بالنسبة للمجتمعات المحلية، خاصة في السودان والمنطقة العربية، فإن الزراعة تمثل فرصة ذهبية لإعادة بناء الاقتصاد من القاعدة، وتحقيق تنمية شاملة تبدأ من الريف ولا تنتهي عند حدود المدن. الاستثمار في الزراعة يعني الاستثمار في الإنسان، في المعرفة، في الهوية، وفي المستقبل.
وفي هذا السياق، يحضرني قول الشاعر السوداني محمد المهدي المجذوب:
> "الأرضُ إن لم تُروَ بالعرقِ، تبورُ وإن سُقيتْ بالدمِ، تُثمرُ"
فكم من أرضٍ سودانية تنتظر عرق أبنائها، لا دماءهم، لتعود سلة غذاء العالم بحق.
من التخطيط إلى النهضة
خطة د. وجدي ميرغني ليست مجرد ورقة علمية، بل خارطة طريق نحو "الزراعة الإنتاجية المستدامة"، وهو مصطلح يختصر الحلم والواقع والمستقبل. وإن وعد وزير الزراعة بروف عصمت قرشي بحمل توصيات الندوة، فهو وعدٌ إن تحقق، فسيكون بمثابة "فتحٌ زراعيٌّ" جديد.
ولعل من الحكم التي تليق بهذا المقام:
"من لا يملك قوت يومه، لا يملك قراره"
فالأمن الغذائي هو أمنٌ سياسيٌ واجتماعيٌ واقتصادي، لا يُجزأ ولا يُؤجل.
خاتمة: من ندوة إلى نهضة
ندوة الدوحة لم تكن مجرد لقاء فكري، بل كانت إشراقة حضارية تؤكد أن التعافي يبدأ من التربة، وينمو بالوعي، ويزهر بالعمل الجماعي. الزراعة ليست خيارًا اقتصاديًا فحسب، بل هي رسالة إنسانية، دعوة للعودة إلى الجذور، وللانطلاق نحو مستقبل أكثر توازنًا واستدامة.
فلنزرع الأمل،
ولنحصد السيادة.
دمتِ أستاذة عواطف صوتًا نقيًّا في زمنٍ تلوثت فيه الأصوات، ودمتِ قلمًا أخضر في زمنٍ جفّت فيه الأحبار.وبدورنا نثمن للأستاذ المنتصر بالله هذه المشاركة التي تدل علي وعي وقلم نابض بحب الخير .. وباذن الله الغد اخضر .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة