Ein Sudanesischer Berliner Gynäkologe am Lietzensee
موس الزعيم، كاتب وناقد أدبي سوري مقيم في برلين. في كتابه الأخير، الذي صدر باللغة الألمانية “طبيب نسائية سوداني برليني في ليتزينسي” الذكريات والتجارب والوجوه وقصص قصيرة ” يأخذنا فضل الله في رحلة سردية تجمع بين القصص القصيرة التي تعكس تجربته الإنسانية، وبين حكاياته الشخصية والتجارب الحياتية التي مرّ بها وعلاقته العميقة بالشعر والمذكرات الشخصية، قدّم للكتاب الباحث والمستشرق الألماني الراحل أودو شتاين باخ، و الكتاب نافذة للغوص في عوالم مُتعددة، تربط بين الماضي والحاضر، بين الوطن الأم والمُغترب وكذلك بين الثقافة العربية والأوروبية والتي ترك فضل الله بصمةً واضحةً فيها وشكل علامة فارقة في قضايا الاندماج. يقع الكتاب في 145 صفحة وضمّ عدداً من الفصول منها ( قصص قصيرة، قصص قصيرة جداً، لقاءات، ذكريات، قصائد مترجمة، وحلم صار حقيقية)...) ما يميّز القصص التي يكتبها فضل الله أنّها تعكسُ تفاصيل الحياة بين ألمانيا والسودان فتسردُ لحظات من الحياة، بعضها عابرٌ ومكثّف، لكن كلّ منها يعكس جانبًا مختلفًا من تجربة الكاتب كطبيب، كإنسان، وكمناضل من أجل حقوق الإنسان. فضل الله، الذي أمضى عقودًا طويلة في ممارسة مهنة الطب النسائي في برلين، لا يقتصر على تصوير الحالات الطبيّة فحسب، بل يُظهر أيضاً جوانب الإنسان الداخلية وعلاقاته النفسية بالآخر، قصصه تتعدى تشخيص المرض، لتستكشف الشخصيات من دواخلها و سلوكياتها وعلاقاتها، وهي صورة حيّة ومرآة للإنسانية. تتعدد القصص التي ضمّها الكتاب، لكنّها تشترك في استعراض تجارب إنسانية تعكس صراعات ذات أبعاد شخصية واجتماعية وسياسية، تجمع بين معاناة الفرد والمجتمع، وتعرض صراعاته الداخلية والخارجية في ظلّ ظروف سياسية وثقافية خانقة، تتمحور هذه القصص حول مواضيع المصير، الغربة، وقبول الآخر أو رفضه وتناقضات الواقع الذي يترك بصمته على مصائر البَشر والحنين وعلاقة الانسان بالأرض والذكريات، وهذه القصص، تكتشف كيف تتناغم الرمزية مع الصراع الإنساني، مما يمنح النصوص دلالات فلسفية وعاطفية عميقة. من هذه القصص التي تترك أثراً عميقاً في النفس كلقائه بعاملة النظافة في بلدية نويكولن، امرأة جاءت من تركيا في العشرين من عمرها، مرّت بتجارب الحياة الصعبة، تحمل آلاماً في مفاصلها في حين ترفض الحكومة تقاعدها المبكّر” ويبدو أنّها لن تتقاعد حتّى تنظف جميع حمامات المدينة” هذه التفاصيل القاسية تكشف عن تجارب الحياة المرّة في المغترب، والحلم الذي لا يزال يراود الأفراد رغم الصعوبات. أمّا في قصّة المصير والتي تبدأ من خروج الكاتب في ندوة ثقافية، حيث شعوره بالإرهاق والصراع الداخلي الناتج عن التوترات الاجتماعية المحيطة، تنتقل القصة بين مشاهد الندوة والتجربة الشخصية للكاتب، مما يعكس صراعاً بين الفرد والمجتمع، المفارقة تكمن في سعي الكاتب للراحة، في حين أن تفاصيل المشهد السوريالي الذي يعيشه، مثل الدخان الكثيف والأوراق المتناثرة، تشير إلى حالة من التوتر الداخلي المستمر، كلّ ذلك يشكل قناعة سائق التكسي بأنّ مكان هذا الرجل هو مشفى الأمراض العقلية وليس شارعاً يسكنه الأغنياء. وهي لحظة المواجهة مع الحقيقة القاتمة التي تتقاطع مع التأملات العميقة حول المصير والوجود. في قصة بين نارين يأخذنا إلى ساحة الصراع في جنوب السودان، حيث يعيش الطبيب المتطوع تجربة إنسانية وأخلاقية في مواجهة التدخلات العسكرية، الصراع لا يقتصر على المستوى السياسي أو العسكري، بل يتداخل مع قضايا الضمير والواجب المهني، المفارقة تظهر في أن الطبيب الذي يُفترض به أن يُنقذ الأرواح، يصبح في موقف مُحيّر حيث يواجه الأسئلة حول قيمة هذه الأرواح في زمن الحرب، مما يعكس تأثير الصراعات السياسية والعسكرية على الأمن الشخصي والمهني.. تجسد قصص فضل الله واقعا مليئا بالمفارقات الإنسانية والسياسية التي يواجهها الأفراد في مجتمعاتهم ومنها ما جاء بصورة ساخرة، كلّ قصة تُظهر نوعا من الصراع الداخلي الذي ينبثق من مواجهة قوى اجتماعية أو سياسية تتحدّى مصير الشخصيات، بل قد تُسهم في تغيير مسار حياتهم، مما يجعلها تتجاوز حدود السرد الشخصي إلى مستويات أوسع من التأمل في الحياة والمجتمع. يُبرز فضل الله، في العديد من قصصه، شعوراً عميقاً بالاغتراب رغم أنّه استقر في ألمانيا، فالاغتراب ليس فقط غربة المكان، بل هو أيضًا غربة بين الثقافات، إلاّ أن تلك الفجوة بين الهوية الثقافية والواقع لا تزال قائمة وهو ما ركّز عليه بعض القصص والدراسات التي قدمها. أسلوب حامد فضل الله السردي في الكتاب يكتسب طابعاً فكرياً وثقافياً مميزاً، فكلّ قصة، تدفع القارئ إلى التفكير في قضايا أعمق، تتعلّق بالإنسانية والهوية والاغتراب. كتاب حامد فضل الله ليس مجرد مجموعة قصصية؛ إنه سجل حافل بالذكريات والتجارب التي عاشها الطبيب والإنسان الملتزم، والمثقف الذي يسعى دائما لبناء جسر بين الشعوب. من خلال قصصه، يعيدنا إلى تأملاتنا الإنسانية العميقة حول الهويات المتداخلة، وطموحاتنا في خلق عالم أكثر إنسانية. والدكتور حامد فضل يمزج بين الخبرة الطبية، الالتزام الاجتماعي، والبعد الأدبي الثقافي، ما يجعله صوتاً مميزاً في الأدب المعاصر في ألمانيا .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
مقالات سودانيزاونلاين
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست