💢 قراءة مقارنة بين نصر الدولة ومأساة حركة الكفاح المسلح: (بين ٦ أكتوبر و٧ أكتوبر)
اليوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٥م تحل الذكرى الثانية للهجوم الذي نظمته حماس في ٧ أكتوبر ضد الكيان الصهيوني ، والذي أطلق شرارة حربٍ مدمّرة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، والتي وصفتها كل المنظمات الدولية بأنها حرب إبادة.
ورغم ما حملته عملية طوفان الأقصى من عنصر المفاجأة والقدرة على اختراق منظومة أمنية محصّنة، إلا أن قرار حركة حماس بالهجوم لم يكن قراراً موفقاً ولا مدروساً من حيث النتائج، بل كان خطأً استراتيجياً فادحاً، دفع الشعب الفلسطيني، وخاصة في غزة ثمناً قاسياً له، وأعطى جيش الاحتلال الإسرائيلي الأسباب لتوسيع وجودها في الضفة الغربية والتهديد بضمها رسمياً للكيان الصهيوني كما سبق وضمت مرتفعات الجولان السورية ومدينة القدس.
لكن اللافت للنظر أن ذكرى هذا اليوم تأتي بعد يوم واحد من ذكرى 6 أكتوبر 1973، حين نجحت مصر كدولة ذات سيادة ومؤسسات وجيش نظامي في استعادة أراضيها المحتلة بعد حرب مدروسة بعناية، جمعت بين التخطيط العسكري المحكم والرؤية السياسية الواضحة.
والفارق بين اليومين لا يكمن فقط في التاريخ، بل في جوهر الفعل ذاته: ففي 6 أكتوبر انتصرت دولة تعرف ماذا تريد، وتملك جيشاً منظماً وقراراً سيادياً وهدفاً محدداً، استعادت فيه سيناء وبناء السلام من موقع قوة.
أما في 7 أكتوبر، فقد تحركت حماس والتي لا تمثل دولة ولا تملك الشرعية ولا الرؤية الاستراتيجية، فأطلقت شرارة حربٍ بلا أفق سياسي، حوّلت غزة إلى ساحة دمار ومعاناة إنسانية غير مسبوقة.
إن الفرق بين الدولة وحركة الكفاح المسلح هو الفرق بين الحرب والسياسة، وبين المسؤولية والمغامرة.
فالدولة تخوض الحرب لتفتح باباً للسلام أو لاستعادة حقٍّ مشروع، أما الحركات المسلحة فتخوض الحروب لتثبّت وجودها أو تبرر سلطتها المتوهمة.
الدولة تُخطّط بعقلٍ استراتيجي وتتحمّل نتائج أفعالها أمام شعبها، أما الحركة المسلحة مثل حماس؛ فتمضي بلا حساب ولا مساءلة، وتدفع الشعوب الثمن.
يجب علينا هنا أن نثبت أن 7 أكتوبر لم يكن بداية الصراع، فالقضية الفلسطينية تمتد جذورها إلى عام 1948، حين نشأت إسرائيل على أنقاض النكبة الفلسطينية وبمؤامرة دولية. وخلال أكثر من سبعين عاماً سالت دماء كثيرة من الجانبين، لكن الثابت أن غياب الحل العادل واستمرار الاحتلال هما أصل المأساة. ولقد تنكرت إسرائيل لمعاهدة السلام التي وقعتها مع منظمة التحرير الفلسطينية، واغتالت زعيمها ياسر عرفات، وظلت تضع العراقيل ضد حل الدولتين وقيام أي دولة فلسطينية مستقلة.
ومع ذلك، لم يكن الطريق إلى العدالة يوماً عبر مغامرات عسكرية منفصلة عن الواقع الإقليمي والدولي والقدرات الذاتية، بل عبر مشروع وطني موحّد ورؤية سياسية توازن بين المقاومة المشروعة والواقعية.
عليه؛ فإن الدروس المستفادة من الماضي إلى المستقبل هي إن المقارنة بين 6 أكتوبر و7 أكتوبر تُظهر أن القوة الحقيقية ليست في المفاجأة العسكرية لوحدها، بل في وضوح الهدف الاستراتيجي والسياسي.
فمصر انتصرت لأنها حاربت بعقل الدولة، لا بعاطفة الغضب، وخرجت من الحرب بسلام واستعادة للأرض واعتراف دولي.
أما حماس فقد خسرت لأنها خاضت معركة بلا أفق، من موقع عزلة وانقسام، فكانت النتيجة دماراً واسعاً وتهديداً لبقاء غزة نفسها، وضم الضفة الغربية، وصرف النظر عن حل الدولتين تماماً.
الذكرى الثانية لـ7 أكتوبر يجب ألا تكون مناسبة لتمجيد المغامرة، بل لحظة مراجعة شجاعة.
فالقضية الفلسطينية لن تنتصر ما لم تتحرر من منطق المليشيات وتستعيد منطق مشروع الدولة، مشروع دولة فلسطين، الذي يقوم على الشرعية والوحدة والعقلانية.
ذلك هو الدرس الحقيقي بين 6 أكتوبر و7 أكتوبر، فحين تكون الدولة هي القائد، يكون النصر ممكناً؛ وحين تقود المليشيا، تكون المأساة حتمية.
لكن هذا لا يعني نهاية الأمل، بل بداية الوعي، فمن تحت الركام يمكن أن يولد مشروع وطني فلسطيني جديد، يتعلّم من أخطاء الماضي، ويعيد تعريف المقاومة بوصفها وسيلة للتحرر لا غاية للبقاء وتضخيم الذات، ويستثمر في السياسة والدبلوماسية كما استثمر يوماً في السلاح.
عندها فقط يمكن أن يُفتح طريق جديد نحو سلامٍ عادلٍ وحقيقي، لا تفرضه القوة بل تصنعه الشرعية والإرادة والوعي .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة