محاكمة كوشيب وفضيحة الجيش السوداني: من توريت إلى الجنجويد كتبه د. أحمد التيجاني سيد أحمد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 10-09-2025, 08:45 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-07-2025, 12:22 PM

احمد التيجاني سيد احمد
<aاحمد التيجاني سيد احمد
تاريخ التسجيل: 08-16-2022
مجموع المشاركات: 498

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محاكمة كوشيب وفضيحة الجيش السوداني: من توريت إلى الجنجويد كتبه د. أحمد التيجاني سيد أحمد

    12:22 PM October, 07 2025

    سودانيز اون لاين
    احمد التيجاني سيد احمد-ايطاليا
    مكتبتى
    رابط مختصر







    منذ فجر الاستقلال، ظلّ الجيش السوداني يتقاطع مع الدولة لا بوصفه حاميها، بل باعتباره أداةً في يد النخب المتعاقبة لتصفية خصومها أو تثبيت سلطانها. لم يكن قوميًا ولا مهنيًا في جوهره، بل ظلّ مطيّةً للأحزاب المدنية حينًا، وللأنظمة الشمولية حينًا آخر.
    من ثورة توريت (١٩٥٥) إلى مجزرة جودة (١٩٥٦) التي وصف فيها صلاح أحمد إبراهيم المزارعين المعتقلين حتى الموت بقوله:

    «لو أنهم حزمةُ جرجيرٍ
    يُعَدُّ كي يُباع لخدم الأفرنج في المدينة الكبيرة،
    ما سلخت بشرتهم أشعة الظهيرة،
    بل وضعوا بحذرٍ في الظل على حصيرة،
    وبللت شفاههم رشاشةٌ صغيرة.»

    تكرّر مشهد الإذلال ذاته: جيشٌ يُقاتل شعبه بدلًا من أن يحميه، ونخبةٌ تتوارى خلف شعارات القومية والوحدة وهي تمارس أبشع صور الإقصاء. ومع كل دورة سياسية، ازداد هذا الجيش تورطًا في لعبة السلطة، فتارةً ينقلب باسم الشعب، وتارةً يُسلّم أمره للأيديولوجيا. واليوم، تأتي محاكمة علي كوشيب لتضع كل ذلك في مرآة واحدة: فجرائم دارفور ليست انحرافًا طارئًا، بل امتدادٌ لبنية العنف التي تأسّست منذ نشأة الدولة الوطنية نفسها.

    في أدب المقاومة السودانية: من جودة إلى دارفور
    لم تكن قصيدة صلاح أحمد إبراهيم «عشرون دستة» مجرّد رثاءٍ لمأساة المزارعين في جودة، بل كانت البيان الأول في أدب المقاومة السودانية الحديثة. فيها خرج الشعر من جماليّته الكلاسيكية إلى وظيفته التاريخية — فضحُ القهر وإعادةُ الاعتبار للإنسان المهمّش.
    تلك الصورة الشعرية الصادمة («حزمة جرجير») لم تكن استعارة فنية، بل وثيقة إدانة مبكرة لسلطةٍ تعاملت مع مواطنيها كسلع.
    صلاح أحمد إبراهيم، بهذا الوعي المبكر، وضع أساسًا لأدبٍ يربط بين المأساة الاجتماعية والوعي السياسي، فصار شعره نواة ضميرٍ جمعيٍ يقاوم النسيان.
    ومن بعده جاء محجوب شريف ومحمد المكي إبراهيم وحميد وغيرهم ليواصلوا خطّ المقاومة ذاته، وصولًا إلى شعراء دارفور الذين وثّقوا المذابح الحديثة، فكان الشعر شاهدًا وعدالةً حين غابت العدالة في المحاكم.

    ثورة توريت: الميلاد المأزوم للدولة والجيش
    قبل أن يُرفع علم الاستقلال على سراي الخرطوم في يناير ١٩٥٦، كانت توريت قد أعلنت مبكرًا فشل مشروع الدولة القومية.
    في أغسطس ١٩٥٥ تمرّد الجنود الجنوبيون رفضًا لأوامر نقلهم شمالًا، بعدما أدركوا أن السلطة الوطنية القادمة ليست سوى نسخة جديدة من الهيمنة القديمة.
    ما سُمّي لاحقًا بـ«تمرّد توريت» كان في جوهره صرخةً ضد التهميش والتمييز.
    لكنّ الحكومة تعاملت معه بذهنية المستعمر، فأرسلت الجيش لقمعه وإعدام قادته بلا محاكمة.
    تلك اللحظة دشّنت أولى صفحات العنف الرسمي في السودان المستقلّ: جيشٌ يوجّه سلاحه إلى صدور أبناء وطنه بدلًا من حمايتهم.
    لقد كانت توريت الجرح الأول الذي كشف أن الجيش وُلد منقسمًا على ذاته — بلا مشروع وطني، وبلا عقيدة سوى الطاعة للسيد الحاكم.

    من توريت إلى جودة: الجذر الأول للعنف المؤسسي
    بعد عامٍ واحد فقط من توريت، جاءت مأساة جودة (١٩٥٦) لتؤكد أن الدولة الجديدة لم تتعلم شيئًا من تجربتها الأولى.
    احتج مزارعو مشروع جودة على ظلم الإدارة وسوء الأجور، فاعتقلهم الجيش والشرطة وزجّ بهم في مخزنٍ ضيقٍ حتى ماتوا اختناقًا.
    لم تُجرَ محاكمة، ولم يُسأل أحد، وكأنّ دم الفقراء لا يستحق العدالة.
    في تلك اللحظة كتب صلاح أحمد إبراهيم قصيدته الخالدة «عشرون دستة»، ليحوّل الشعر إلى محكمة ضميرٍ وطني، وليُعلن أن القهر ليس حادثة، بل نظام.
    لقد أظهرت جودة، كما أظهرت توريت من قبلها، أنّ العنف في السودان لم يكن استثناءً، بل بنية دائمة في العلاقة بين الجيش والمجتمع.
    ومنذها، صار الدم هو اللغة التي تُكتب بها السياسة، وأصبح الفقراء هم الوقود لكل انقلاب.

    من حسن بشير إلى الجنجويد: أدلجة الجيش وتحويل السودان إلى حاضنةٍ للحركة الإسلامية
    لم يكن انحراف الجيش السوداني وليد عهد الكيزان وحده، بل جذره أقدم في التاريخ العسكري الحديث.
    ففي ستينيات القرن الماضي، مثّل اللواء حسن بشير نصر، نائب القائد العام في عهد الفريق عبود، الوجه الصارم للعنف الرسمي ضد الجنوبيين، حين قاد طلعاتٍ جويةً لقصف القرى بحجة “فرض الأمن” — في أول سابقةٍ يستخدم فيها الجيش الطيران ضد مواطنيه.
    ومنذ تلك اللحظة، ترسّخ المفهوم الخطير بأنّ الجيش يملك “الحقّ” في قتل السودانيين المختلفين باسم الوحدة الوطنية.

    ومع انقلاب الإسلاميين عام ١٩٨٩، بلغت الأدلجة ذروتها، إذ أُعيد تعريف “العدو” ليصبح داخليًا لا خارجيًا.
    واستُبدلت العقيدة العسكرية بعقيدةٍ دينيةٍ تكفيرية، فأنشأ الكيزان منظومةً موازيةً من الميليشيات: الدفاع الشعبي، الشرطة الشعبية، المجاهدين، والأمن الطلابي، وصولًا إلى قوات الدعم السريع، التي استخدموها لحماية الحدود وتسهيل التهريب، قبل أن يكتشف قائدها حميدتي حجم الخديعة وينحاز إلى الشعب والاتفاق الإطاري، فحاربته الحركة الإسلامية بلا هوادة.

    هكذا انتقل الجيش السوداني من مؤسسة سيادةٍ إلى مؤسسة أيديولوجية تُدار بالعقيدة لا بالمهنية، وأضحى السودان في عهد الكيزان حاضنةً للحركات الجهادية من غزة إلى الصومال ونيجيريا، وميدانًا لتجارب الإسلام السياسي الذي حوّل الوطن إلى ساحة حربٍ مفتوحة، والجيش إلى أداةٍ لقمع المواطنين لا لحمايتهم.

    رمزية محاكمة كوشيب ومستقبل العدالة في السودان
    إنّ محاكمة كوشيب، رغم محدوديتها، تحمل قيمةً رمزية عظيمة — فهي الاعتراف الأول بأنّ العدالة ممكنة ولو بعد عقود. لكنها أيضًا تطرح سؤالًا مؤلمًا:
    هل تكفي محكمةٌ دولية لإنصاف شعبٍ ما زال يحكمه من أنشأوا كوشيب وربّوه داخل مؤسساتهم؟

    إنّ بناء السودان الجديد يبدأ من إعادة تأسيس الجيش على أسسٍ مهنيةٍ قومية، جيشٍ بلا حزبٍ ولا طائفةٍ ولا أيديولوجيا، جيشٍ يحمي الناس لا يقتلهم، ويصون الوطن لا يحكمه.
    عندها فقط تُصبح محاكمة كوشيب بدايةً للعدالة، لا نهايتها — بدايةً لجيشٍ وطنيٍّ جديد يولد من رماد الماضي لا من ترابه الملوث.


    د. أحمد التيجاني سيد أحمد
    قيادي ومؤسس في تحالف تأسيس
    ٦ أكتوبر ٢٠٢٥ – روما، إيطاليا.
























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de