بلدا ما فيها إيلا.. يا حليلا كتبه د. ياسر محجوب الحسين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 10-09-2025, 08:54 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-07-2025, 12:16 PM

د. ياسر محجوب الحسين
<aد. ياسر محجوب الحسين
تاريخ التسجيل: 07-28-2018
مجموع المشاركات: 388

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بلدا ما فيها إيلا.. يا حليلا كتبه د. ياسر محجوب الحسين

    12:16 PM October, 07 2025

    سودانيز اون لاين
    د. ياسر محجوب الحسين-UK
    مكتبتى
    رابط مختصر



    أمواج ناعمة



    في لحظات الفقد الكبرى، لا تبكي الأوطان رجالها فحسب، بل تبكي فيهم زمنا من الإخلاص والرجولة، وتاريخا من الصدق والعمل. وهكذا بكى السودان محمد طاهر إيلا، الوالي والوزير ورئيس الوزراء، الذي مرّ في كل محطةٍ من محطاته كنسمةٍ تحمل رائحة الإنجاز، ثم غاب، فخلّف في القلوب فراغًا لا يملؤه سوى الذكرى.

    ها هو السودان اليوم يطوي صفحةً من صفحاته المضيئة، وتغيب من سمائه شمسٌ طالما أشرقت بالعمل والرجاء، كأنما يحمل في نفسه ينبوعًا من العطاء لا يغيض.

    رحل محمد طاهر إيلا، رجل الدولة الذي تقيدت حركاته برزانةٍ وثقة في النفس لا حد لها، لكنه كان إذا نهض إلى العمل ينهض من الأمر ما لا ينهض له غيره.

    كان إيلا حين يتولى مسؤوليةً، لا يتخذها وجاهةً ولا متاعا، بل عبئًا ينوء به الرجال. عرفته بورتسودان وهي تزهي كما يزهي الطلّ الورود، وعرفته ولاية الجزيرة وهي تنهض من وهدة طويلة، فتصحو كالعاشق بعد طول فراق.

    لم يكن الرجل عابرا في دفتر الدولة، بل فصلا من فصولها النادرة، يقينا ناهضا لا يخالطه الظن، في زمنٍ كثرت فيه الأقوال وقلّ فيه الفعل.

    ولقد سعدتُ بمعرفته عن قرب، حين كنا في ضيافته ضمن وفد الاتحاد العام للصحفيين السودانيين تقريبا في شتاء ٢٠١٢، وقد دعانا لحضور أحد مهرجانات السياحة التي كان ينظمها في عروس الشرق بورتسودان إبّان ولايته على البحر الأحمر. وفي تلك الزيارة، رأينا بأعيننا حجم الإنجاز الذي تحقق في ولايته، إذ لم تكن التنمية مقتصرةً على العاصمة بورتسودان، بل امتدت إلى مدن الشرق كافة في توازنٍ نادرٍ واهتمامٍ شامل وكان قد أصر أن نزور عددا غير قليل لمدن الولاية.

    وضمن زيارتنا لمدن ولاية البحر الأحمر المختلفة، زرنا أحد المستشفيات الحديثة، ورافقنا وزير الصحة حينها، فوجدنا المكان مجهزا بأحدث الأجهزة الطبية، لكن ما استرعى انتباهنا أن بين الأطباء العاملين هناك عددا غير قليل من الأطباء والطبيبات من مصر. قلت يومها للوزير مازحا: «أليس هذا ترفًا؟ ألا تصرفون لهؤلاء رواتب بالدولار؟» فابتسم ابتسامة واثقة وقال: «نعم، نصرف لهم بالدولار، ولكن قيمة راتب كل واحد منهم تقل عن قيمة رواتب الأطباء السودانيين» - وكان ذلك حين كان الجنيه السوداني في عزّه وقوته. ثم أضاف الوزير قائلا: «حاولنا تعيين أطباء سودانيين برواتب أعلى من رواتب المصريين، لكننا لم نجد من يوافق على العمل في هذه المستشفيات البعيدة، حتى بتلك المزايا، فلجأنا إلى الأشقاء في مصر».

    نعم، كانت تلك من حسن تدبير وتصرف إيلا، إذ كان يعرف كيف يتجاوز الإشكالات بحلول عملية وذكية، لا يضيق بها أفقه ولا يستسلم أمام التعقيدات.

    وفي خواتيم الزيارة، جلسنا حول الوالي الهمام إيلا على مائدة عشاءٍ عامرةٍ بالبساطة والتقدير، فكان كثير الإصغاء، قليل الكلام، يردد بإصرارٍ أنه يريد أن يستمع إلى كل ملاحظةٍ بصراحة، حتى يستعين بها في معالجة أي قصورٍ أو تبني أي مقترحٍ يخدم تنمية الولاية.

    تلك الجلسة لم تكن بروتوكولا رسميا، بل لوحة من التواضع والإخلاص، أظهرت لنا معدن الرجل وأصالته وصدق إرادته في خدمة الناس.

    وحين اضطربت البلاد بعد تداعي نظام الرئيس البشير، كانت دعوته إلى رئاسة الوزراء كمن يُلقى به في أزيز المرجل يغلي في النار؛ مهمةٌ شاقة، وساعةٌ متأخرة من ليلٍ طويل. ومع ذلك لبّى النداء، غير هيّابٍ ولا متردد، يحتمل من المشقة ما يطيق وما لا يطيق.

    كانت تلك محطته الأخيرة، قصيرةً في عمرها، عميقةً في معناها، فقد حمل فيها همّ الوطن كله على كاهله حتى أرق له ليله، يؤزه الأرق أزّا، ويقضي ليله في الأهوال والأوجال.

    ولمّا غاب، لم يتبقَّ رجلٌ يعرف قدر الرجال ويتسامى فوق الانتماءات السياسية الضيقة إلا ونعاه وردّد مآثره. بكاه السودان قاطبة كما بكته بورتسودان وولاية البحر الأحمر وجبيت مسقط رأسه. فقد كان رمزًا جمع حوله القلوب حتى بعد الرحيل، ووحّد الحزن ما فرّقته السياسة.

    وكان الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، في مقدمة من سارعوا إلى أداء واجب العزاء، مبادرا بقرار كريم بنقل جثمان الفقيد إلى أرض الوطن من مصر التي قضى فيها نحبه.

    ولعمري، لقد كان ذلك قرارا أخلاقيا ورجوليًا أضفى على المشهد لمسة وفاءٍ نادرة، وزاد من رصيد البرهان الشعبي المتنامي.

    برحيل إيلا، رثّت الأسباب بين السودان وبين جيل الرجال الذين يعملون بصمتٍ ولا يتكلمون إلا بقدر ما يفعلون. فقد كان إداريًّا بالفطرة، فصيح اللسان، عذب الحديث، باتع الخيال، صادق النية، نقيّ الضمير.

    كان يعمل في صمت، تفيض وجهه وقارا وتملؤه سكينةٌ نبيلة، وإذا ضحك فابتسامةٌ نحيلة تتبعها نظرة حزنٍ دفينٍ على وطنٍ أحبّه وأتعبه.

    سلامٌ عليه في رحيله كما كان سلامًا في حضوره، وعلى روحه الطاهرة التي صعدت في سكونٍ بهيمٍ لا يقطعه إلا أنين الحزن.

    لقد صدق القائل: "بلدا ما فيها إيلا.. يا حليلا"























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de