كتب الدكتور عطا البطحاني في استهلال كتابه المعنون " التعثر الديمقراطي في السودان" يقول في إحدى الفقرات ( أسباب عديدة وراء تدني أداء و فشل الحكومات الحزبية – المدنية، ربما من ابرزها الخلافات و التشرذم بين الأحزاب و حتى داخل الأحزاب بين الأجنحة و الأسر المتصارعة على القيادة و مصالحها الذاتية الضيقة على حساب المصلحة العامة، و ضعف الأداء التنفيذي للمسؤولين السياسيين، و بسبب الصراع على المصالح و المنافع لم تستطيع الطبقة السياسية ، حكومة و معارضة، التوافق على قواعد تحكم اللعبة السياسية" و الغريب في الأمر؛ أن المسألة لم تتعلق بالأحزاب السياسية وحدها – فالفشل ضرب حتى النخب المثقفة و الإعلامية و الأكاديمية التي تنتظر أن تأتيها الحلول من الخارج، لكي تسارع في الترويج لها.. و كلما فشلت مبادرة تنتظر الخارج أن يقدم لها مبادرة أخرى لكي تبدأ مسيرة الترويج من جديد.. كيف يتسنى لأمة تنتظر أن يفكر لها الخارج في حل مشاكلها السياسية، أن تكون جديرة بالحكم على شعب تعب من اسقاط النظم الشمولية دون أ يجد مبتغاه بعد سقوطها، حيث فشلت النخب السياسية تماما أن تحافظ على مسارات العملية الديمقراطية منذ الاستقلال، ثم مرورا بأكتوبر 1964م ، و إبريل 1989م، و ديسمبر 2018م، و ظلت الجماهير هي الرهان الوحيد في كل تلك التواريخ، حيث وحدها أحدثت التغيير.. و رغم ذلك؛ تجد النخب السياسية التي يعلقون عليها الأمال، تعتقد أن الحلول يجب أن تأتيها من الخارج، و لا يهمها كثيرا إذا كان للخارج أجندة خاصة، أو مصالح تحكم مبادراتها مادام يعتقدون أن هؤلاء سوف يصبحوا لهم رافعة للسلطة.. هؤلاء الساسة يتمنون أن يصبحوا بيادق في لعبة الخارج، أفضل من أن يجلسوا خارج دائرة السلطة.. حيث أصبح مسعد بولس الرجل الأكثر شهرة وسط النخب السودانية، و يتابعون تغريداته و أقواله و يحفظونها كأنها أقوال مقدسة، رغم أن 99.99% من الشعب الأمريكي لا يعرفون من هو مسعد بولس، و لا الوظيفة التي يؤديها.. بدأت أمال هؤلاء السياسيين مرتبطة بالخارج منذ استدعاء عبد الله حمدوك البعثة الأممية لكي تساعد في عملية التحول الديمقراطي.. لكن وجدت البعثة الأمميةقد وقع عليها عبء إدارة العملية السياسية في البلاد، و أيضا وضع الأجندة التي يتم حولها الحوار.. و أصبحت القيادات السياسية تتنافس في عملية عقد الاجتماعات مع البعثة الأممية.. و بعد اندلاع الحرب بدأت النخب تنظر للخارج منذ مايو 2023م حيث عقد منبر جدة، و أصبح الكل قلوبهم معلقة بقاعات جدة، ثم المنامة، و من هناك بدأت مسيرة مدن أوروبا باريس جنيف و القاهرة و غيرها، و كلها تصبح أمال معلق في السراب، الغريب في الأمر أن القوى السياسية ترفع فقط شعارات، و دون أن تقدم مسوغات سياسية لكيفية تنفيذ هذه الشعارات،، الأمر الذي يؤكد أن العقل السياسي السوداني أصبح عاجز أن يقدم رؤى لحل الأزمات.. مجموعة قحت " الديمقراطي" تشارك في ورشة في بورتسودان تنظمها منظمة " بروميديشن" بعنوان " ملتقى القوى السياسية حول مطلوبات الفترة الانتقالية الحالية – التحديات و الفرص" الأمر الذي يؤكد أن كل الورش السياسية التي تعقد في الخارج أديسأباب و كمبالا و نيروبي و بورتسودان و غيرها من مناطق العالم تنظمها منظمات خارجية، و هي التي تضع العناوين و مهام الورش و حتى اختيار المشاركين فيها.. و أصبح هناك قطاع واسع من السياسيين و المثقفين و الإعلاميين في حالة دائمة " حزم امتعتهم" منتظرين فقط الإشعار الذي يحتوي على جدول العمال و تذاكر السفر و رقم غرف الفندق الذي سوف يقيمون فيه.. هؤلاء أكثر الناس إفلاسا سياسيا، لأنهم ينتظرون ما يقدم إليهم من أفكار و التي تسقط من مخيلتهم مباشرة بعد الإنتهاء من أعمال الورشة.. لآن الهدف ليس المدارسة في انجاز ما تصبو إليه الورشة و تطبيقها في المستقبل، انما أصبح الهدف ما يقدمه السفر من حوافزه... أن الحوار السوداني المطلوب بين القوى السياسية، يجب أن تنظمه الدولة داخل السودان، و دون أن يكون لها سلطة غير تنظيم الحوار و الصرف على إحتياجاته، و على القوى السياسية أن تتحمل كل مصاريف عضويتها المشاركة في الحوار، و ليس للخارج أية تدخل في الحوار أو المشاركة بالرأي إلا إذا كان هناك مطلوبات من داخل الحوار نفسه.. أن الأمة التي تريد أن تحل أزماتها و تصل لتوافق وطني يعبد طريق السلام و الاستقرار السياسي و الاجتماعي و ينشد التنمية البشرية و الاقتصادية يجب أن تتحمل عبء و مصاريف الحوار، و تمنع تماما التدخلات الخارجية.. و الحرب أثبتت أن السودان يعاني خارجيا من علاقات إستراتيجية تقف معه عند المحن.. أثبتت التجربة أيضا أن كل الدول في تعاملاتها تضع في مقدمة أجندتها مصالحها الخاصة، و تتعامل وفقا لهذه المصالح.. فهل يستطيع السودانيون أن يفيقوا من غفوتهم و يقدموا الأجندة الوطنية على الأجندة الحزبية و الأجندة الخاصة.. نسأل الله الشد و حسن البصيرة..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة