يعيش بعض رؤساء التحرير في الصحف بين ضمير الصحافة وسجون الأيديولوجيا في حين تُعدّ الصحافة سلطة رابعة حقيقية حين تؤدي رسالتها بوعي ومسؤولية غير أن دورها يظل مرهوناً بشخصية رئيس التحرير الذي يقف على رأس المؤسسة الإعلامية يرسم خطها التحريري ويحدد سقف الحرية فيها وهنا تتباين الممارسات بين نموذج منفتح وآخر منغلق ولكل منهما أثر بالغ في مستقبل الصحافة هناك رؤساء تحرير يدركون أن الصحافة لا تزدهر إلا بتعدد الأصوات وتنوع الآراء هؤلاء يفتحون صفحاتهم للرأي الآخر ويعتبرون النقد البنّاء وسيلة للإصلاح لا تهديداً لسلطتهم، تحت إدارتهم تتحول الصحيفة إلى منبر عام يتنفس القارئ من خلاله ويجد فيه مساحة لعرض قضاياه الوطنية والاجتماعية إنهم يدركون أن الصحافة التي تبتعد عن نبض الشارع تفقد قيمتها وأن المهنة الحقيقية تقوم على كشف الحقائق لا تلميع الصور وفي المقابل هناك من يحوّل الصحافة إلى ساحة مغلقة لا مكان فيها إلا لصوته وقناعاته الخاصة رؤساء تحرير يذيبون مهامهم المهنية في أيديولوجياتهم فيجعلون من الصحيفة منبراً دعائياً بدلاً من كونها أداة توجيه وإصلاح هؤلاء يرفضون أي مقال يحمل نقداً مهنياً ولو كان في مصلحة المؤسسة أو الوطن والنتيجة صحافة خرساء تُفقد القارئ ثقته وتتحول بمرور الوقت إلى صفحات مهجورة، إن الصحف ذات التوجهات القاتمة و الأيديولوجية الجامدة التي ترفع ما هو بشري إلى مرتبة المقدّس تُكتب لها النهاية عاجلاً أم آجلاً فالصحافة التي تصنع جدراناً بين الحقيقة والجمهور وتستبدل النقد بالتمجيد لا يمكن أن تعيش طويلاً، فدور الصحافة أن تكون عيناً ناقدة ولساناً صادقاً تنقل معاناة المواطن وتضعها على الطاولة بجرأة ومسؤولية من هنا فإن الحاجة ماسة إلى رؤساء تحرير يوازنون بين واجبهم المهني وبين قناعاتهم الشخصية فيجعلون من الصحافة جسراً للإصلاح لا سلاحاً للإقصاء لأن التاريخ لا يرحم الصحف التي خانت رسالتها ولا يذكر إلا تلك التي واجهت بشجاعة مشاكل أوطانها ووقفت في صف الحقيقة مهما كانت التكلفة، فالصحافة ليست مجرد أوراق مطبوعة أو مواقع إلكترونية عابرة بل هي ذاكرة الشعوب وصوت ضميرها وحين يغيب هذا الضمير تسقط الصحف حتى وإن بقيت العناوين.
ومضة اخيرة
فلينهض رؤساء التحرير إلى مسؤولياتهم وليدركوا أن الصحافة ليست ملكاً لشخص أو تيار بل هي صوت وطن وأمة وإذا تحولت الصحف إلى جدران صمّاء لا تعكس إلا قناعات ضيقة فسوف يطويها النسيان كما طوى غيرها من قبل أما التي تفتح أبوابها للحقيقة وتمنح القارئ احترامه فستبقى خالدة تهز العروش وتُسقط الأوهام فالصحافة إما أن تكون حرة أو لا تكون.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة