عاجلا ام آجلا ستنتهي هذه الحرب اللعينة و يكون السودان قد خطى خطوة مهمة نحو التعافي و إستشراف مرحلة مهمة جدا في عملية تحقيق السلام الشامل، الا وهي مرحلة الحوار السياسي الشامل الذي سيحدد كيف يحكم السودان و هي قطعا مرحلة معقدة و ليست بالسهلة. التباين الحاد في الرؤى السياسة للاحزاب و تشظيها و الخلافات و التناحر فيما بينها وضع الكثير من المراقبين و المهتمين بأمر السياسة السودانية في خانة غير المتفائلين بإمكانية إيجاد وصفة مقنعة تجمع هذه القوى السياسية المتناحرة إلى كلمة سواء.
بالرغم من ان التوافق السياسي ليس بالسهل في وضع السودان الا انه ليس مستحيلا حال توفر عاملين هما الارادة و إعلاء مصلحة الوطن فوق المصالح و الأهواء الحزبية و الجهوية الضيقة.
أثبتت آلية الحوار انها وسيلة ناجعة لفض النزاعات بين الأطراف المتصارعة سياسيا اذا تم الاعداد لها و تنفيذها بطريقة مهنية. إدارة الحوار تتطلب من المنظمين الكثير من المعرفة و المهنية و الحكمة و الشفافية. و تحتم على الفرقاء إعلاء مصلحة البلد فوق المكاسب الحزبية و الجهوية الضيقة.
إذا لم تحسن ادارة الحوار السياسي الشامل في السودان فستكون فترة ما بعد الحرب وبالاً على البلد و تزيد من عدم استقراره و ربما تعيده إلى حرب اخرى أشد ضراوة، لا سمح الله.
مفتاح نجاح اي توافق سياسي في اي دولة هو مبدأ الشمولية و لكن كلمة شمولية في حد ذاتها أصبحت مصدر خلاف في الأزمة السودانية لعدة اسباب. وعليه، ارى ان الخطوة الأولى في الاعداد للحوار السياسي الشامل هو التوافق على مفهوم الشمولية "اي تنظيم او اي حزب يحق له دخول القاعة و المشاركة في الحوار؟". و هي مهمة عسيرة و لكن ليست مستحيلة، فتجربة دولتي جنوب أفريقيا و رواندا في بناء السلام خير مثال للتوافق السلمي الشامل لكل الأطراف رغم عظم الخلافات. يحب أن لا يفهم ان إشراك أحزاب مطعون في نزاهتها او ارتكبت جرائم حرب في الحوار يقصد منه حجز مقاعد لها في الحكم. لا، هذا ليس صحيح. الحوار الشامل هو مكان للاستماع لاراء جميع السودانيين بغض النظر عن أفكارهم السياسية. يجب أن يعي الجميع أن الامتناع عن الاستماع لرأي اي فصيل سياسي سياتي بمخرج منقوص يحمل في طياته بذرة فشله.
دعانا الإسلام في الكتاب و السنة الي الحوار و التشاور في كل امور الحياة لإصلاح ذات البين و التعايش السلمي و إدارة شئون البلاد و العباد فمثلا:
بعض تجارب عمليات الحوار في بعض مناطق السودان توضح أنه يتطلب حسن الاعداد و الحكمة للخروج بتوافق لسلام و تعايش سلمي مستدام مثل تجربة الحوار الدارفوري. اليكم بعض المواقف الصعبة و الطريفة التي واجهت تنفيذ الحوار الدارفوري ببعثة اليوناميد بمساعدة مراكز دراسات السلام في جامعات الفاشر و نيالا و الجنينة و السودان في جميع محليات ولايات دارفور بالإضافة إلى محليات شرق النيل و امبدة و جبل أولياء ذات الكثافة السكانية العالية من أبناء دارفور في ولاية الخرطوم.
اولاً: من افْيَد ما تضمنته منهجية تنفيذ مؤتمرات الحوار الدارفوري هو شمولية تمثيل كل مكونات مجتمع دارفور من مزارعين و رعاة و نازحين و مراة و شباب و إدارة اهلية ودعاة و رجال دين.
ثانياً: ادراج محاضرة من مراكز دراسات السلام في بداية الجلسات توضح للمشاركين "مفهوم ثقافة الحوار". للأمانة كان لهذه المحاضرات مفعول السحر في توسيع ادراك المشاركين عن ترك التعصب و قبول الاخر و حسن الاستماع احترام الرأي الآخر و الالتزام بقوانين الحوار المتفق عليها و الزمن.
في خواتيم مؤتمر حوار إحدى المحليات طلب احد المشاركين اضافة توصية واصر على تضمينها في التقرير النهائي لتوصيات المؤتمر - و ليته لم يقلها- هي نصاً " طرد المستوطنين الجدد " . اثارت هذه الكلمات الثلاث حفيظة مجموعة اخرى من الحاضرين فضربوا بلوائح تنظيم المؤتمر عرض الحائط وضجت القاعة و كادت ان تعصف بكل ما أنجز في المؤتمر الذي كان منعقد لأيام و تحْدُث ما لا يحمد عقباه لولا حنكة و دارية بعض رجال الادارات الأهلية. في النهاية هدات القاعة و حسم الامر بإعادة صياغة التوصية مع الحفاظ على مفهومها.
موقف آخر كان في إحدى ولايات دارفور حيث رفضت مجموعة إدارات اهلية الجلوس في قاعة واحد مع ادارة أهلية أخرى مما اضطر اللجنة المنظمة إلى اضافة مؤتمر استثنائي في مدينة اخرى حتى يؤخذ رأي المجموعتين في الاعتبار مع العلم ان التعايش السلمي كان أحد أهداف الحوار الدارفوري.
و اختم بموقف طريف في نهاية مؤتمر حوار احدى محليات دارفور. لم تستطع مجموعة المرأة التوافق في الزمن المحدد على اختيار ممثلتين عن المحلية لمؤتمر الولاية. احتدم النقاش و تعالت أصوات النساء داخل القاعة لساعات و عندما اقترب موعد إقلاع المروحية اضطر بعض رجالات الإدارة الأهلية التوسط فاقنعوا المشاركات على اختيار اثنتين منهن. رغم صعوبة الموقف الا انه كان اضافة لترسيخ مبدأ قبول الآخر .
عثمان عيسى حسن صديق ضابط شئون سياسية سابق بعثة اليوناميد
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة