بعد بيان الرباعية غير المتحمس لوجود عناصر حزب المؤتمر الوطني بالمشهد السوداني، الذي لا محال قد أوشك على أن يأتي بطرفي الحرب إلى طاولة النقاش حول وقف إطلاق النار، اصبح مكشوفاً للمراقب الدور الجديد المرسوم للبرهان الطامح في الحكم بأي ثمن، والمدعوم من الجارة الشمالية الراعية الرسمية للمهرجان، لقد كتبنا من قبل عن أن مصر العميقة لا تتسامح مع إسلاميي حزب البشير مهما تلونوا، والجنرال حتى وإن أظهر مجاملة إعلامية لكتائب البراء المسنودة من أجهزة أمن الحزب البائد، إلّا أنه يعلم تمام العلم أن الطريق إلى حكم البلاد لا يمر من بوابة الإرث الثقيل للنظام البائد – كرتي ونافع وهرون ومحمود، لقد خفت ضوء جميع حركات الإسلام السياسي وأحزابه ومنظوماته الحكومية، بعد لجم حزب الله وضرب إيران والحوثي وحسم حماس، والوجهة القادمة هي بورتسودان لتفكيك مافيا الإرهاب، ودك معقل رموز النظام القديم، الذين كان لهم الدور الأكبر في زعزعة أمن واستقرار دول الجوار والبلدان الصديقة، هذا التفكيك سوف يتم بيد قائد الجيش الذي لابد وأنه قد تعهد لمندوبي الرباعية بذلك، وهذا بحد ذاته رقص على رؤوس أفاعي حزب البشير، فلو أن هنالك ضابط بالجيش السوداني يعتبر الأسوأ حظاً، لكان هو الفريق أول عبد الفتاح البرهان، فهو الذي ارتضى لنفسه أن يكون خرقة بالية يمسح بها حزب المؤتمر الوطني سوأته، الحزب الذي أورث السودان الحرب. إذا لم يفي الجنرال بتعهداته أمام الرباعية، سوف يستبدل بجنرال آخر، بعد أن ينتهي تراجيدياً كما انتهى علي عبد الله صالح ملفوفاً داخل بطانية مشجوج الرأس، الرئيس اليمني الأسبق الذي حاول الرقص على رؤوس الأفاعي الحوثية، فالمليشيات الإسلامية يقودها سلوك المافيا ولا تترك لرأسها أن يلعب بذيلها، لذلك نجد حزب المؤتمر الوطني قد أذاق رموزه قبل خصومه أبشع أصناف التصفيات الجسدية، أولهم اللواء الزبير محمد صالح بإسقاط طائرته في "الناصر" بجنوب السودان، بتدبير اللواء الطيب إبراهيم محمد خير، وقد كشف ذلك عرّاب الحزب بعد أن عزله أبناؤه، ، ذات الحزب الذي أشعل النار في الطائرة العسكرية بمطار "عداريل"، والتي كان على متنها كامل طاقم هيئة أركان القيادة العسكرية، الذين من بينهم اللواء إبراهيم شمس الدين، كما صفى الحزب والي الشمالية بحادث تحطم طائرة، إنّه تاريخ محمر بلون الدم ميّز هذا التنظيم (المؤتمر الوطني)، الذي لم يقم للوطنية مؤتمراً واحداً، ولا يفوتنا أن نذكر حادثة تفجير طائرة اللواء بحر اثناء هذه الحرب، وهي امتداد لمسلسل (بأسهم بينهم شديد)، وظني أن الجنرال البرهان رغم ابتسامته الصفراء الجافة، لكنه بالضرورة قد ندم على اليوم الذي تقدم فيه للالتحاق بالكلية الحربية – مؤسسة الموت والدماء والأشلاء التي لم تشفع حتى لأبنائها الذين تخرجوا فيها، فأحرقتهم بعد أن أحرقوا شعبهم وأمست نذير شؤم لمستقبل الحكم في السودان. تراهم جميعاً وقلوبهم شتى، إنّهم رفقاء وفرقاء العهد البائد، يجوسون خلال ديار شرق السودان تآمراً ومكراً كعهدهم، لكن حبل خناق المحيطين الإقليمي والدولي ما فتئ يلتف حول رقابهم، ولن يقووا على البقاء داخل حلبة المصارعة زماناً طويلا، لأن أصحاب المصلحة لا ينتظرون أكثر من اللازم، بعد أن تناسقت مواقف الأربعة الكبار، العازمين على انتشال رجل افريقيا المريض بالملاريا وحمى الضنك من وعكته، والتحول المفاجئ في رؤية الجار الشرقي الكبير فيما يخص رموز حزب المؤتمر الوطني، بمن فيهم رئيس الحزب الذي كشفت قناة العربية عن مكانه، الأمر الذي يعتبر المؤشر الأكثر وضوحاً الدال على اختلاف المرحلة القادمة عن سابقاتها، وهنا لابد من قراءة ارتدادات الضجة الإعلامية التي فجرتها قناة العربية، تماشياً مع الخط الرباعي الهادف إلى إخلاء الساحة من الوجود الأصولي الحاضن لحركات الإسلام السياسي، فمشروع السلام الشرق أوسطي الجديد يستوجب وجود أنظمة سياسية حاكمة، لا تشجع أيدلوجية العنف المذهبي وإتاحة السلاح بأيدي من يهددون السلم والأمن الإقليميين، فالجنرال لا بواكي عليه في الحالتين، الأولى ذهابه بأيدي رفاق الحزب، والثانية مواجهة المد الإقليمي الذي يعمل ببطء لاقتلاعه وجماعته من الجذور، فإنّ أكثر ما يزعج مرقده خروج أقاليم الغرب و(الجنوب الجديد) من قبضته، المسمار الأخير في نعشه، ونعش جماعته المحمية بالمسيرات التركية والسلاح الكيماوي الإيراني.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة