|
|
مصر والسودان- جدل العمق الاستراتيجي وحدود المقامرة السياسية
|
04:33 PM September, 28 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
يشكل السودان بالنسبة لمصر امتداداً جغرافياً وتاريخياً وأمنياً لا يمكن فصله عن منظومة الأمن القومي المصري. إلا أن سياسات القاهرة تجاه الخرطوم اتسمت في العقدين الأخيرين بنوع من الازدواجية، حيث تتأرجح بين الانخراط المباشر والدعم الانتقائي لأطراف سودانية محددة وبين محاولة الحفاظ على حياد نسبي يراعي حساسية التوازنات الداخلية والإقليمية. هذه الورقة تحاول قراءة هذه الازدواجية في ضوء التفاعلات الجارية في الإقليم، مستندة إلى مفاهيم العمق الاستراتيجي وتوازن القوى والأمن المائي، مع مقارنات من تجارب إقليمية مشابهة. دوافع السياسة المصرية تجاه السودان الهواجس الأمنية والمائية تتصدر قائمة المصالح المصرية، إذ يعتبر السودان شريكاً محورياً في اتفاقيات تقاسم المياه، وفي مواجهة التحديات المرتبطة بسد النهضة الإثيوبي. الحفاظ على الحدود الجنوبية يمثل بعداً استراتيجياً أساسياً، فاستقرار السودان ينعكس مباشرة على أمن الحدود المصرية، خاصة مع تزايد تهديدات التهريب والهجرة غير النظامية والجماعات المسلحة. التوازن مع القوى الإقليمية يتداخل مع أدوار إقليمية أخرى مثل إثيوبيا والإمارات والسعودية، ما يفرض على القاهرة انتهاج سياسة مركبة لتفادي العزلة، وموازنة المصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية. دعم الفاعلين العسكريين والرباعية الإقليمية اعتمدت مصر في مراحل عدة على دعم المؤسسة العسكرية السودانية، انطلاقاً من قناعة بأن الجيش هو الضامن الأبرز لاستقرار الدولة. غير أن هذا الرهان ترافق مع انخراط القاهرة في الرباعية (السعودية، الإمارات، مصر، الولايات المتحدة)، ما عكس محاولة لتقاسم الأعباء وتجنب تحمل المسؤولية منفردة. إلا أن هذا الانخراط ظل محدود الفاعلية، إذ لم ينجح في بلورة استراتيجية خروج من الأزمة السودانية، بقدر ما عمّق الاصطفافات الداخلية. حدود المقامرة السياسية الرهان على طرف واحد في بيئة سياسية منقسمة قد يحمل مخاطر الارتداد الاستراتيجي. وهنا يمكن الاستفادة من تجارب مشابهة: باكستان في أفغانستان، حيث أدى دعمها المفرط لطرف محدد إلى عزلة إقليمية ودولية، وتركيا في ليبيا التي نجحت نسبياً عبر توظيف توازنات القوى وبناء تحالفات مرنة. مصر، إذا واصلت دعم طرف بعينه دون تطوير رؤية شاملة، قد تواجه تحول السودان من عمق استراتيجي إلى مصدر تهديد، بما يحمله من تداعيات أمنية ومائية. بدائل ممكنة يمكن للقاهرة الانخراط في حوار وطني شامل عبر دعم مسارات مدنية وسياسية متعددة. تعزيز التنمية الحدودية المشتركة يمكن أن يقلل من مخاطر التهريب والنزوح. الاستثمار في الدبلوماسية المائية بالتوازي مع معالجة ملف سد النهضة عبر مسارات إقليمية يمثل مدخلاً لاستقرار طويل الأمد.
*إن ازدواجية السياسة المصرية تجاه السودان تعكس معضلة كلاسيكية في العلاقات الدولية: التوازن بين الواقعية قصيرة المدى والشرعية طويلة المدى. فبينما تضمن الواقعية حماية المصالح الآنية، فإن الشرعية وحدها قادرة على إنتاج استقرار دائم. بالتالي، يظل الرهان الحقيقي للقاهرة في تحويل السودان من موضوع أزمة إلى شريك استراتيجي مستدام، وهو خيار يتطلب إعادة صياغة جذرية للسياسة المصرية تقوم على الشمول والتعددية، لا على الدعم الانتقائي أو المقامرة السياسية.
*هوامش مرجعية تقارير وزارة الخارجية المصرية حول الأمن المائي والنيل، 2023. تقارير المركز القومي للدراسات الاستراتيجية حول السودان، القاهرة 2022. International Crisis Group, “Sudan’s Political Transition: Opportunities and Risks”, 2023. Al Jazeera, “Egypt-Sudan Relations: Balancing Military Support and Civilian Transition”, 2024. Middle East Institute, “The Role of the Egyptian Military in Sudan’s Stability”, 2023. تحليل خبراء العلاقات الدولية: Pakistan-Afghanistan Proxy Engagements, Brookings Institution, 2022. Turkish Policy Quarterly, “Turkey’s Strategy in Libya and Lessons for Egypt”, 2023.
|
|
 
|
|
|
|