بقلم: د. أحمد التيجاني سيد أحمد قيادي ومؤسس في تحالف تأسيس
المقدمة القضية النوبية لم تعد قضية أقلية أو منطقة، بل قضية وجود وهوية وسيادة وطنية. فما كان في ورشة حركة كوش السودانية عام ٢٠٢١ ورقة تثقيفية، أصبح اليوم ضرورة دستورية في ظل انهيار دولة ١٩٥٦ وصعود مشروع سودان التأسيس.
الجذور التاريخية للتهميش النوبي بدأ التهميش النوبي منذ اكتمال بناء خزان أسوان السفلي عام ١٩٠٢. وما اعتُبر حينها إنجازًا هندسيًا في نظر مصر الاستعمارية، كان كارثة حقيقية على النوبيين وحضارتهم التي صمدت منذ ٩,٠٠٠ عام. وتوالت بعدها المآسي: ١. عام ١٩٠٢: بناء الخزان أغرق ١٠ قرى نوبية. ٢. عام ١٩١٢: التعلية الأولى للخزان، وتهجير ٨ قرى. ٣. عام ١٩٣٣: التعلية الثانية، وإغراق ١٠ قرى أخرى. ٤. ما بين ١٩٥٩–١٩٦٤: بناء السد العالي الذي محا وادي حلفا وغمر النوبة المصرية كليًا.
التحليل السياسي لم تكن هذه المشاريع تنموية بريئة، بل كانت أداة تطهير عرقي ممنهج ضد النوبيين. فمنذ دولة ١٩٥٦ السودانية، وبالتواطؤ مع الحكومة المصرية، وُضعت سياسات معلنة وغير معلنة للقضاء على الشعوب النوبية في السودان ومصر. تم استهداف الهوية عبر منع اللغة النوبية في المدارس، واستهداف الأرض عبر بيعها للمستثمرين بموجب قانون الاستثمار لعام ٢٠١٣، واستهداف البقاء عبر تهجير عشرات الآلاف إلى مساكن الأسبستوس القاتلة في البطانة، أو إلى صحراء كوم أمبو في مصر، حيث قضى آلاف الأطفال في ما عُرف بـ(جبانة الحضانة).
القضية النوبية في إطار سودان التأسيس اليوم، ومع صعود مشروع سودان التأسيس، واستبداله لتراكمات دولة ونغت باشا (مركزية دولة ١٩٥٦) التي أعقبت الحكم الإنجليزي، تتحول هذه القضية إلى بند دستوري لا تفاوضي، متوافق مع ميثاق ودستور التأسيس الانتقالي الذي ينص على اللامركزية، والمدنية، والسلمية، والعلمانية.
إلغاء القوانين الاستعمارية التي أُقرت في ظل الحكومات المركزية، مثل قانون الاستثمار لعام ٢٠١٣، واسترداد نتوء أرقين من براثن الاستعمار المصري، أصبح واجبًا فوريًا. كما يجب إدراج اللغة النوبية كلغة رسمية معترف بها إلى جانب العربية والإنجليزية و اللغات السودانية الأصيلة الاخري بتطبيق التجارب الناجحة في كينيا و الدول الأفريقية الاخري ، وحماية الأرض النوبية من أي تهجير أو مشروع تنموي أو استثماري دون موافقة أهلها، على أن تُتخذ القرارات بشأنها عبر الأجهزة المجتمعية والسيادية.
إقرار وتنفيذ العودة الطوعية للشعب النوبي الذي تم تهجيره قسرًا، سيكون حق أصيل مكفول بدستور التأسيس وحكومة الإقليم الشمالي.
المطالب العملية ١. الإلغاء الفوري لسدود كجبار ودال والسليت. ٢. إدخال اللغة النوبية في المناهج الدراسية بجميع المراحل. ٣. حماية الآثار النوبية بالتعاون مع اليونسكو. ٤. تمويل العودة الطوعية ودعمها كمشروع وطني. ٥. وقف التعدين العشوائي بالسيانيد وإبعاده عن المساكن والمزارع النوبية. ٦. وقف التعدي المصري على الأراضي النوبية في أرقين وتوشكي.
الخاتمة القضية النوبية لم تعد ملفًا إقليميًا يُناقش في ورشات أو مفاوضات، بل قضية مركزية في إعادة بناء السودان التأسيسي الجديد. على طول الشريط النيلي من وادي حلفا حتى دال، ومن كرمة حتى السكوت والمحس والدناقلة، تنهض الشعوب النوبية لتقول: «يبدأ السودان الجديد في الإقليم الشمالي، من دولة التأسيس، باعترافٍ صريحٍ وعادل بحقوقها التي استباحها التوجه المصري العروبي العنصري الإسلاموي.»
د. أحمد التيجاني سيد أحمد قيادي ومؤسس في تحالف تأسيس ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٥ – روما، إيطاليا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة