إبراهيم زريبة: رحيل مبكّر لحوار لم يكتمل — بين قمم وتقدّم ومستقبل التحالفات المدنية في السودان
بمزيدٍ من الحزن والأسى، ودّعنا يوم الثلاثاء ٢٣ سبتمبر ٢٠٢٥م الأستاذ المناضل إبراهيم زريبة، الأمين العام السابق لتحالف القوى المدنية المتحدة (قمم)، الذي رحل بعد مسيرة نضالية متميزة، خدم خلالها وطنه بإخلاص، وكان صوتًا صادقًا للمدنيين ومدافعًا عن قيم الحرية والسلام والعدالة.
لقد كان لي شرف التحاور مع الفقيد في إعداد ورقة سياسية تحليلية حول فرص التنسيق بين تحالفي “قمم” و”تقدّم”. كان ذلك في مطلع ديسمبر ٢٠٢٤ وقبل أن نستقر على تحالف التأسيس. كانت تلك الورقة ثمرة نقاش عميق بيننا، تبادلنا فيه الرؤى حول جدوى العمل المشترك بين القوى المدنية، والحاجة إلى تجاوز الاستقطاب وتغليب المصلحة الوطنية.
كنا نعد هذه الورقة لا كتحليل عابر لتحالفين مدنيين بارزين في المشهد السوداني – "تقدّم" و"قمم" – بل كثمرة حوار فكري مباشر وعميق دار بيننا عندما بدأ جمعنا الذي ارتضى توسيع الحوار في إطار تحالف التأسيس. كان الحوار الذي جمعنا يتجاوز المقارنات السياسية، ليطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل العمل المدني، وإمكانيات التقاطع بين المسارات، وما إذا كان التنسيق بين "تقدّم" و"قمم" ضرورة سياسية أم مجرد وهم تنظيمي. اتسم حديث زريبة بالصراحة والوضوح، وترك في نفسي قناعة بأن الرجل كان يحمل همّ الوطن فوق كل اعتبار، ويؤمن بإمكانية تأسيس جبهة مدنية واسعة تتجاوز الشكوك والانقسامات.
أقدّم اليوم هذه السطور وفاءً لذكراه، وإيمانًا بأن ما لم يكتمل في حياته من حوار، يجب أن يتواصل بفكر حيّ ومسؤولية وطنية.
قمم وتقدّم: مساران متوازيان أم حلفاء محتملون؟ تحالف “تقدّم” نشأ في أكتوبر ٢٠٢٣ في أديس أبابا، وضم أطرافًا مدنية وسياسية عديدة بينها الجبهة الثورية ولجان مقاومة، وقدّم نفسه كمنصة للسلام ووقف الحرب. بالمقابل، تكون “قمم” من رحم التراكم المدني الوطني، وتميز بتركيزه على العمل الشعبي المباشر، واستقلالية قراره عن الأطراف الإقليمية والدولية. ورغم التمايز الواضح، فإن نقاط الالتقاء بين التحالفين كثيرة ومؤثرة: فكلاهما يسعى لتحقيق السلام، يدافع عن الدولة المدنية، ويؤمن بضرورة توسيع التحالفات وبناء جبهة مدنية موحّدة. ولعل الالتحام والتنسيق بينهما - و هو ما حدث عند وضع ميثاق و دستور التحالف - يمكن أن يكون رافعة وطنية للخروج من نفق الحرب نحو بناء سودان جديد.
خاتمة: رحيل أحد المعبرين عن الأمل المدني برحيل الأستاذ إبراهيم زريبة، يفقد السودان أحد رجالاته المدنيين المخلصين، الذين ظلوا يعملون بصمت في سبيل ترسيخ قيم الديمقراطية والتعدد والتنوع. لكن تبقى أفكاره ومساهماته، وخاصة في مسألة بناء التحالفات المدنية، إرثًا حيًا يستحق أن يُبنى عليه. إن التنسيق بين “قمم” و”تقدّم” — أو ما آل إليه مسارهما من صمود وتأسيس — إذا تم بروح المسؤولية التي نادى بها زريبة، يمكن أن يشكّل اختراقًا مدنيًا حقيقيًا، يقود البلاد من أتون الحرب إلى أفق السلام والتحوّل الديمقراطي.
د. أحمد التيجاني سيد أحمد عضو تحالف تأسيس التاريخ: ٢٤ سبتمبر ٢٠٢٥ – روما، إيطاليا.
قائمة المراجع 1. ١. حمدوك، عبد الله. (2021). السودان على مفترق طرق: نحو عقد اجتماعي جديد. الخرطوم: مطابع الحكومة. 2. ٢. زريبة، إبراهيم. (2024). أوراق في العمل المدني والتحالفات الوطنية. ورقة داخلية غير منشورة، تحالف قمم. 3. ٣. إعلان تحالف قمم. (2023). الميثاق التأسيسي لتحالف القوى المدنية المتحدة (قمم). الخرطوم. 4. ٤. إعلان تحالف تقدّم. (2023). وثيقة تأسيس "تقدّم" في أديس أبابا. مركز الحوار الأفريقي. 5. ٥. سيد أحمد، أحمد التيجاني. (2023-2025). مقالات وتحليلات منشورة في سودانيز أونلاين والراكوبة وتنوير. روما. 6. ٦. مقابلات غير منشورة: حوار شخصي مباشر مع إبراهيم زريبة (مارس – يوليو ٢٠٢٥). 7. ٧. تقارير إعلامية وتحليلات سياسية صادرة عن منظمات محلية ودولية (٢٠٢٣–٢٠٢٥).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة