Sent from Outlook for iOSImage.pngفي راهنية موقف الحزب الشيوعي السوداني؛ قراءة متأنية من وجه نظر ماركسية لموقف الحزب وتحليله للأزمة الوطنية. بقلم: الصادق حمدين- هولندا مدخل تمهيدي: مما لا جدال فيه أن الدولة السودانية قد تطورت في تدهورها نحو جرف الانهيار، فلم يبقَ أمامها إلا مستقر السقوط الداوي.” عبارات موجعة ولكنها تختصر واقع دولة أنهكتها النزاعات والحروب، وأكلها الصراع على السلطة والثروة، حتى صارت تمضي بخطى ثابتة ولكن مقلقة نحو نهايات مجهولة المآل، كمن يركض نحو حافة هاوية وهو لا يزال يظن واهما أنه يحرز تقدماً. السودان اليوم لم يعد يعاني من أزمة عابرة، بل يواجه تراكماً مرعبًا من الفشل السياسي، والانقسام المجتمعي، والانهيار الاقتصادي، والدمار العسكري. مدنه تنهار الواحدة تلو الأخرى في متتالية هندسية، مؤسساته تتفكك فتلاشت مظاهر الدولة، نسيجه الوطني يتمزق، والناس بين منزح ومهجر ولاجيء وجائع ومريض، أو خائفٍ مرعوب ينتظر القادم الأسوأ. ما كنا نظنه أنه قاع، تبين أنه مجرد محطة في طريق أطول نحو الأسوأ. كل يوم يتجاوز السقوط حدود الأمس، حتى بات الحديث عن “الحل” أشبه بمحاولة ترميم بيت محترق. لكن رغم كل شيء، لا تزال هناك فرصة، ولو ضئيلة، لأن يتحول هذا السقوط إلى صرخة يقظة، لا إلى لحظة النهاية. فالشعوب التي تصل إلى القاع، إما أن تفنى، أو تولد من جديد. والسودان، بتاريخه ووعيه وعمق وعي أهله، لا يليق به إلا أن ينهض من هذا الركام، ولو بعد حين. في خضم الأزمة السياسية العاصفة التي تمر بها البلاد، تزداد الدعوات للانخراط في تسويات عاجلة، مفاوضات سرية مُعلّبة، وشراكات تُقدَّم تحت لافتات “الانتقال المدني” المدجن، بينما تنأى قوى حية عن هذا الخط، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي السوداني. البعض يرى في موقفه جمودًا فكريا وأيديولوجيًا وأنه سجين شعارات هتافية تفتقر لآليات التنفيذ، وآخرون يرمونه بـ الانفصال عن الواقع بل تجاوزه نحو رومانسية الثورة الناعمة، لكن قراءة ماركسية متأنية تُظهر أن ما يطرحه الحزب ليس انسحابًا من السياسة، بل تموضعًا طبقيًا واعيًا، يؤسس لأفق مختلف هكذا تعلمنا من هذا الحزب العملاق وأي وجهة نظر حمالة اوجه لا تعني الحزب في شيء. أولًا: الأزمة في جوهرها بنيوي. يرى الحزب الشيوعي أن الأزمة السودانية الراهنة ليست أزمة في النخب، ولا مجرد أزمة حكم فحسب، بل هي أزمة بنية طبقية اقتصادية – اجتماعية – سياسية. هذا التحليل يستند إلى فهم ماركسي للدولة كأداة في يد الطبقة السائدة، وليست كيانًا محايدًا كما تُصوِّرها الإيديولوجيا الليبرالية. فالنظام القائم هو نتاج تحالف الرأسمالية الطفيلية العسكرية مع البرجوازية الكومبرادورية المرتبطة بمصالح الخارج. وكل تسوية لا تمس هذا التحالف وتفككه، هي ببساطة إعادة إنتاج للأزمة في ثوب جديد. ثانيًا: رفض التسويات ليس تعنتًا بل وضوح استراتيجي يرفض الحزب كل ما يُطرح من صيغ الهبوط الناعم، والتسويات السطحية باعتبارها حلولًا فوقية لا تعالج جذور الأزمة وأس الصراع، بل تكتفي بتدوير الأزمة على حساب قوى الثورة الحقيقية. إنّ ما يُسوّق له من “اتفاقات” دولية وإقليمية، يتم خارج إرادة الجماهير، وداخل غرف مغلقة، تحت رعاية مراكز رأسمالية لا ترى في السودان سوى موقعًا استراتيجيًا جيوسياسياً وسوقًا مفتوحًا. وبالتالي، فإن رفض الحزب لتلك المبادرات ليس انسحابًا من السياسة كما يبدو، بل رفضٌ لتفريغ السياسة من مضمونها الطبقي وتراكم النضال الجماهيري. ثالثًا: نحو بناء التحالف الطبقي الثوري. الحزب الشيوعي لا يطرح شعار “التغيير الجذري” كشعار تعبوي فقط، بل كأفق تاريخي، يحتاج إلى أدوات حقيقية لإنجازه. في هذا السياق، تأتي دعوته إلى بناء جبهة ثورية من قوى الثورة الحية، ولجان المقاومة، وتنظيمات الهامش، والنقابات المستقلة، وكل قوى الشعب صاحبة المصلحة في التغيير الحقيقي. هذا التحالف ليس ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة موضوعية لإحداث القطيعة مع النظام القديم، وتفكيك الدولة التي وُلدت من رحم الاستعمار وخدمت الطبقات المسيطرة حتى اليوم. رابعًا: ما بين الثورة والإصلاح – وضوح الموقف. إن ما يطرحه الحزب لا يمكن تصنيفه في خانة “الإصلاح السياسي”، بل هو طرح ثوري يسعى إلى تغيير في البنية لا الشكل، في جوهر السلطة لا في رموزها. أي محاولة لـ”تعديل” النظام دون مسّه في جوهره الاقتصادي – الطبقي، لن تكون إلا خيانة لدماء الشهداء وتضحيات الجماهير. إن تمسك الحزب الشيوعي السوداني بمواقفه الرافضة للتسويات السطحية، يجب أن يُفهم لا كتعنت، بل كموقف طبقي – مبدئي، ينسجم مع فهم ماركسي عميق لطبيعة الصراع. وبينما تبدو الخيارات “الواقعية” مغرية للبعض، فإن الحزب يراهن على وعي الجماهير وقدرتها على إعادة امتلاك أدوات الفعل التاريخي، لا على المواثيق الجاهزة ولا التحالفات الموسمية. إن الثورة ليست حدثًا، بل عملية تراكمية طويلة النفس، والحزب الشيوعي، كعادته، يختار الوقوف في الضفة الصعبة، لكن الواضحة: ضفة الجماهير، وضفة المستقبل الواعد دون صراعات ودون حروب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة