قصة سيدنا يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم عليهم السلام من أعظم القصص الواردة في الكتب السماوية ، لما فيها من فوائد ، و إذا كانت وزارة التربية والتعليم في السودان إختارت سورة النور كمقرر للصف الثالث الثانوي العالي لما فيها من آداب إجتماعية مهمة ، فإن سورة يوسف ، و ما فيها من عبر و دروس لا تقل أهمية ، ففيها ، العفة ، في أرفع صورها ، و تصرف رجل الدولة ، بروح المسؤولية ، و حسن التدبير لشئون الدولة ، و فيها فوق ذلك كله قيمة التسامح ، كقيمة مضافة في تصرف الشخص الناجح في حياته ، و قد خرجت من سورة يوسف و قصته ، بفائدتين ؛ الأولى أن قيمة حياة الفرد الواحد الصالح قد تساوي في محصلتها قيم حيوات العديد من الناس ؛ بدليل أن نجاة يوسف من إحتمال الموت الأول الذى كان ضمن خيارات إخوته ، صار سبب نجاة شعب مصر ، في ذلك الزمان و الشعوب المجاورة ، بما فيهم شعبه في أرض فلسطين ؛ فمعنى ذلك أن قيمة حياته رياضياً و منطقياً تساوي قيمة حياة ما أنقذها من الأنفس بسبب حكمته و علمه و حسن تدبيره و حسن علاقته بربه عز وجل . و الثاني ، أن التسامح كقيمة مضافة ، في حق إخوته كانت من أكثر القيم التي فتحت الباب على مصراعيه أمام إخوته لدخول باب التوبة والاستغفار و الرجوع إلى الله ، و كان بإمكانه أن يحاكمهم على جرمهم الذي حوله بين ليلة وضحاها من سيد أو إبن سيد إلى عبد رقيق يباع بسعر بخس دراهم معدودة .. فما مدى تمسكنا بفضيلة التسامح في الحقل السياسي السوداني ؟ مؤخراً ، أثار إهتمامي التحالف بين حركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو ، مع فصيل الدعم السريع بقيادة السيد محمد حمدان دقلو ؟! فالعلاقة بين الطرفين كانت كتلك التي تجمع بين: ( الضحية ، الجلاد ، السوط ) ؛ و لكن دخول الطرفين في تحالف واحد كانت فارقة في الحقل السياسي ، و لكن بدراسة الرابط الذي مكن الطرفين من الإنخراط في هذا التحالف ، تجد أن : تحقق مصالح الشعوب السودانية في وثيقة تأسيس هي السبب الذي يجعل الطرفين يقبلون ببعض ؛ على الرغم من المسافات الشاسعة بين الفصيلين ؟! فالسيد محمد حمدان دقلو ؛ كان يعيش قبل الحرب في بحبوحة من العيش ؛ مال ، جاه، سلطة مطلقة ؛ و المقابل كان : تدمير كل ثورة تفكر في نزع السلطة من أصحابها ؛ المستعمرون الجدد(المؤسسة العسكرية في السودان)؛ حتى و لو كانت حواضن الرجل في دارفور هي الثائرة ؟ كان يستمتع بما يملك من ناحية ، و يتعذب بما يرى من مآل و مستقبل له و لشعبه من ناحية اخرى ؛ و عندما جاءت الحرب ؛ كشرارة حتمية للتغيير كان لا بد أن يتبعها خارطة طريق واضحة لمستقبل الشعوب السودانية الحرة فكانت تحالف تأسيس هي تلك الخارطة السياسية ؛ فلا غرو إذن من يذعن الطرفين الحلو و دقلو لمطالب تأسيس طالما تحقق صالح الشعوب السودانية ؛ و لكن السؤال الملح حالياً هو : ما هو موقف تأسيس إذا إشترطت المؤسسة العسكرية قبولها إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية من الصفر مقابل العفو العام عن أفرادها المسؤولين السابقين و ضمان منافي آمنة لهم و لذويهم خارج البلاد ؟ و ما موقف تحالف تأسيس من مسألة إعادة إدماج الإتجاه الإسلامي في العملية السياسية الجديدة وفق موجهات تأسيس الديمقراطية مع العفو العام عن أفرادها المسؤولين السابقين ؟ من المعلوم أن الرئيس مانديلا ، ما نال إعجاب العالم من فراغ ، ففضيلة العفو و الصفح ، الذي تسربل بها , كانت أهم أسباب قوته في المجال السياسي ، فما أحوج السودان اليوم لهذه الفضيلة ، راقني جدآ التقارب الذي بلغني بين الإسلاميين في السودان و الحزب الشيوعي السوداني ؛ يجب الاعداد لخطة لإزالة كافة العقبات التي تحول بين إنضمام الإسلاميين لتحالف التأسيس ؛ لا نريد ديمقراطية عرجاء في سودان التأسيس ، لا نريد أن نكون أوصياء على شعوب سودانية نعرف مسبقاً مستوى وعيها المرتفع ؛ دع الشعب الواعي يقرر وحده ، فضلاً لا أمراً : لا تقرر مرة أخرى نيابة عنه . . ضم الاتجاه الإسلامي يترك المؤسسة العسكرية وحدها في ميدان الحرب ؛ و هي في الحقيقة حربها هي التي تحافظ بها على سلطتها التي إنتزعتها بمساعدة سلاح الشعب بعد خروج المستعمر البريطاني ؛ و هي في الأخير ستخسر هذه الحرب إذا صارت وحيدة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة