في هذه الأيام، تواصل حكومة الأمر الواقع محاولاتها لتجميل صورة مطار الخرطوم بعد أن أصبح غير صالح للعمل. أبرز ما قامت به هو صيانة صالة الحج والعمرة لتكون بديلاً مؤقتاً، في خطوة لا تخلو من العجلة والارتجال. حتى اختيار السراميك المستخدم في مدخل الصالة لم يسلم من الانتقادات؛ إذ جرى تركيب نوعية غير مناسبة للأرضيات الخارجية، في مشهد يلخص طريقة التعامل مع هذا المرفق الحيوي: معالجة شكلية لا تمسّ جوهر المشكلة. هذا المشهد أعاد إلى الأذهان مسلسل القروض والاتفاقيات الذي بدأ منذ يوليو 2013 حول مطار الخرطوم الدولي الجديد. في ذلك الشهر، وقّع السودان عقداً مع الصين لإنشاء المطار بقرض بلغ 700 مليون دولار، ثم عاد في يناير 2014 ليوقّع قرضاً آخر بقيمة 680 مليون دولار للمرحلة الثانية من المشروع ذاته. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ ففي أبريل 2015 دخلت كوريا الجنوبية على الخط بعقد استشاري، تلاه في ديسمبر 2017 توقيع اتفاق جديد مع تركيا لإنشاء المطار نفسه. ورغم هذا الزخم من الاتفاقيات، خرج مدير عام شركة مطارات السودان القابضة الفريق أول ركن السر حسين بشير حامد في مارس 2019 ليعلن تجميد العمل في المشروع لفترة تتراوح بين 30 و40 عاماً، مبرراً ذلك بالظروف الاقتصادية الخانقة وعدم توفر قروض جديدة. المفارقة أن هذا المطار، الذي بدأ العمل فيه رسمياً عام 2006، ما زال حتى اليوم في خانة الغائب الحاضر: يسمع الناس عنه في نشرات الأخبار كلو فترة، لكنهم لا يرونه بأعينهم على أرض الواقع. ولعل أكثر المشاهد تعبيراً عن هذا العبث هو الإعلان الشهير الذي ظهر فيه الفنان جمال حسن سعيد قائلاً: «غربتي ما راحت ساي يا السُّرة.. اشتريت ليكم أرض في الدُرَّة»، في إشارة إلى الموقع الذي قيل إنه سيصبح مطار الخرطوم الدولي الجديد بالقرب من منطقة الدُرَّة. لكن بعد كل هذه السنوات، لم تتحول «أرض الدُرَّة» إلى بوابة السودان الجوية الجديدة، بل إلى شاهد حي على وعود بلا أفق. أما الشعارات الرنانة التي كانت ترفع باسم «هي لله» فلم تُترجم إلى إنجاز على الأرض، وبقي المطار حلماً مؤجلاً وسردية تعكس أوجاع بلد تتقاذفه الأزمات والقرارات المرتجلة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة