لا ياعبد الله علي ابراهيم، من ارتكب الابادة هم من تمثل وليس الجنوبيين! تمرد الجنوب 1955: الحقيقة التي يحاول عبد الله علي إبراهيم تزويرها
23/9/2025 خالد كودي، بوسطن
بين خطاب النخب العنصري ووثائق القانون الدولي ١/ في مقاله الأخير المنشور بتاريخ 21 سبتمبر 2025 بعنوان: "تمرد الجنوب (1955): عيد لقدامى المحاربين أم جنوسايد!"، واصل د. عبد الله علي إبراهيم نهجه المعهود في الحذلقة اللغوية، التزوير وقلب الحقائق. ويمكن تلخيص أطروحاته الأساسية في النقاط الآتية: - اعتبار أحداث توريت 1955 "جنوسايد شمالي": إذ يصنّف ما قام به بعض الجنود والمدنيين الجنوبيين ضد الشماليين على أنه مذبحة ذات طابع عرقي، تدخل في تعريف الإبادة الجماعية. - تصوير الجنوبيين كجناة منذ البداية: يقدّم الجنوبيين باعتبارهم الطرف الذي افتتح سجل العنف العرقي في السودان، وكأنهم هم من دشّن دورة الدم والاقتتال، لا الضحية التي عانت من الاستعباد و الاستبعاد والتهميش. - طمس الخلفيات السياسية والاجتماعية للتمرد: يتجاهل الأسباب العميقة التي قادت إلى انفجار توريت – من سياسات التمييز، والوعود المجهضة، والإقصاء من السلطة – ويقتصر على لحظة المواجهة ليجعلها إدانة للجنوبيين. - تحويل التمرد إلى ذكرى احتفالية شمالية: يقترح أن يُنصّب يوم التمرد عيدًا لـ"قدامى المحاربين الشماليين"، في محاولة لتأميم المأساة وإعادة إنتاجها كرمز بطولي شمالي! - على سجل الدولة المركزية: يتغافل تمامًا عن العقود التي تلت الاستقلال، حيث ارتكب الجيش السوداني والنخب المركزية انتهاكات موثقة ضد المدنيين الجنوبيين، وصولًا إلى الجرائم المصنفة كإبادة جماعية في تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان. بهذا البناء، يسعى د. عبد الله إلى إعادة صياغة المشهد التاريخي ليظهر الشماليون في موقع الضحية الأولى لـ"الجنوسايد"، بينما تُمحى من السردية الجرائم الممنهجة التي ارتكبتها الدولة ضد شعوب الجنوب. إنها الحيلة القديمة لصفوة المركز: قلب الجلاد إلى ضحية، والضحية إلى جلاد، وحجب التاريخ الدموي للدولة السودانية خلف ستار من التضليل والمراوغة، مع ان الجنوبيين لم تكن لهم سلطة ولم يكونوا مسيطرين علي الدولة وأدوات عنفها او حتي أي ملمح ذي تأثير فيها من اصلو!.
في ردّنا هذا، نسعى إلى فضح زيف محاولات د. عبد الله علي إبراهيم الرامية إلى نفي مسؤولية النخب المركزية عن شرعنة جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحق الجنوبيين، وذلك بوضع حججه في مواجهة نصوص القانون الدولي والوقائع التاريخية الموثقة.
٢/ الإبادة الجماعية في القانون الدولي: وفقًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 (اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية)، تُعرَّف هذه الجريمة بأنها: "أي فعل يُرتكب (بقصد) التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، ويشمل: قتل أفراد الجماعة، إلحاق أذى جسدي أو عقلي جسيم بهم، إخضاعهم لظروف معيشية يُقصد بها تدميرهم، فرض تدابير لمنع إنجابهم، أو نقل أطفالهم قسرًا إلى جماعة أخرى." هذا التعريف ينطبق بدقة صارمة على ما ارتكبه الجيش السوداني وأذرعه الأمنية وشرعن تنطيرا له الكثير من النخب منذ عام 1955 ضد شعوب الجنوب: القتل الجماعي، الحرق المنهجي، التهجير القسري، التجويع كسلاح حرب، الاغتصاب المنظم، والاستهداف على الهوية العرقية والدينية. وقد وثّقت هذه الأفعال تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، ومنظمات مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، وغيرهما، فضلًا عن تقارير المقررين الخاصين لمجلس حقوق الإنسان في التسعينيات وبداية الألفية... فعم يتحدث الدكتور! في المقابل، لا تنطبق معايير الإبادة الجماعية على ما يصوّره د. عبد الله بـ"الجنوسايد الشمالي" في أحداث توريت 1955، لأن تلك الأحداث، على مأساويتها، لم تكن فعلًا ممنهجًا صادرًا عن دولة أو مؤسسة منظمة تهدف لإبادة جماعة إثنية بأكملها، بل كانت انفجارًا محدودًا في سياق ردّ فعل على عقود من التهميش والإقصاء. لم تتحول هذه الحوادث إلى سياسة دائمة أو استراتيجية شاملة لإبادة الشماليين، بخلاف ما جرى لاحقًا من عمليات إبادة بحق الجنوبيين. إن محاولة د. عبد الله ليُلبس أحداث توريت 1955 ثوب "الجنوسايد" ليست سوى تحريف قانوني وتاريخي ساذج، يسقط أمام النصوص الصريحة للقانون الدولي، وأمام سجل طويل من الجرائم الممنهجة التي ارتكبها الجيش السوداني والنخب التي ينتمي إليها ويتحدث باسمها هراء!
٣/ التوثيق الأممي والدولي للإبادة في الجنوب جرائم الجيش السوداني لم تكن سرًا، بل وُثِّقت من مؤسسات أممية كبرى: الأمم المتحدة (UN)- تقارير المقررين الخاصين منذ السبعينيات وحتى اتفاقية السلام الشامل (2005) وصفت ما جرى في الجنوب بأنه جرائم ضد الإنسانية وإبادة. منظمة العفو الدولية (Amnesty International)- في تقارير متعاقبة (1972، 1989، 1995): وثّقت استخدام الجيش السوداني للتجويع كسلاح، وقصف القرى، والتطهير العرقي. هيومن رايتس ووتش (HRW)- في تقريرها الصادر عام 1994، أكدت أن ما جرى في بحر الغزال والاستوائية يرقى إلى "genocide" وفق تعريف الأمم المتحدة. لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة عن السودان (2005): أقرت بوقوع إبادة في دارفور، وأشارت إلى أن ما جرى في الجنوب منذ 1955 وحتى توقيع اتفاق السلام يمثل نمطًا متكررا للإبادة الثقافية والعرقية. فعم يستند الدكتور؟
٤/ حجم المأساة: الأرقام والوقائع في ظل الأيديولوجية العنصرية ارتكب الجيش السوداني، بدعم وتواطؤ النخب المركزية، جريمة إبادة جماعية ممنهجة ضد الجنوبيين أودت بحياة أكثر من مليوني إنسان خلال نصف قرن من الحرب، غالبيتهم الساحقة من المدنيين العزّل من النساء والأطفال. لم يكن هذا الصراع حربًا بين جيوش متكافئة، بل كان تجسيدًا لأيديولوجية استعلائية عربية–إسلامية صاغتها النخب منذ الاستقلال، تقوم على نفي إنسانية "الآخر" غير المسلم، وتجريده من الروح والكرامة. تقوم هذه الأيديولوجية على تصوير الجنوبيين كـ"أقوام مظلمة" ينبغي إخضاعها لـ"نور الإسلام والحضارة"، وهي رواية لا تختلف في جوهرها عن خطاب الاستعمار الأوروبي الذي ادعى "تمدين" الشعوب المستعمَرة. في السودان، ارتدى هذا الخطاب قناعًا دينيًا يشرعن الاستعباد الحديث، الاستيلاء على الأرض، وانتهاك العرض، تحت شعارات :"الاسلمة والتعريب" و"الفتح" و"الجهاد". حسن الترابي – مثلًا – صرّح مرارًا بأن الجنوب دار حرب تجب مقاتلته حتى الخضوع، فيما ربط عبد الله الطيب دخول العرب والإسلام إلى السودان بعملية "تمدين" للجنوبيين. هذا التصور جعل من غير المسلم "عبدًا" أو "كافرًا" لا حقوق له، وفتح الباب واسعًا أمام سياسات الأرض المحروقة والإبادة. هذه الخلفية الفكرية والفاشية ليست معزولة عن نظريات عنصرية كبرى: فهي تقارب في بنيتها أيديولوجيا النازية التي اعتبرت شعوبًا بأكملها "أشباه بشر" (Untermenschen) لا تستحق البقاء. ومن هذا المنطلق، صيغت الحروب السودانية لا كصراع سياسي حول السلطة أو الموارد، بل كحرب هوية تهدف إلى استئصال جماعة كاملة، وقد كتب دكتور فرانسيس دينق ود. شركيان وغيرهما عن ذلك.
الممارسات الموثقة للإبادة: تجلّت الإبادة في وقائع مرعبة أثبتتها تقارير الأمم المتحدة، مجلس الأمن، اللجنة الدولية لحقوق الإنسان، المحكمة الجنائية الدولية، وهيومن رايتس ووتش والعفو الدولية. لم تكن أحداثًا عرضية أو "تجاوزات"، بل سياسة متعمدة للدولة السودانية: - التجويع الممنهج: القتل صبرًا عبر منع الغذاء والدواء عن قرى بأكملها، كما في مجاعة بحر الغزال في الثمانينيات، حيث تحوّل الجوع إلى أداة حرب لإبادة السكان. - المحروقة: الحرق الجماعي للقرى بعد قصفها، كما حدث في بحر الغزال عام 1988، حيث أُبيدت قرى بأكملها بالنار عقب القصف الجوي. - الاغتصاب كسلاح إبادة: استخدام العنف الجنسي كسلاح منظم، بما في ذلك اغتصاب النساء الحوامل وبقر بطونهن أمام أسرهن لإرهاب المجتمعات المحلية. - القتل الوحشي الطقوسي: رمي الأطفال في الهواء والتقاطهم بالحراب (السنكي)، قطع الرؤوس، الخوزقة، حرق الأسرى أحياء، وتوثيق هذه الأفعال بوصفها أداة إذلال جماعي. - التهجير القسري: نقل عشرات الآلاف من المدنيين إلى معسكرات أُطلق عليها اسم "إغاثية" لكنها كانت عمليًا معسكرات موت بطيء. هذه الأفعال، بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية (1948)، تقع مباشرة تحت التعريف القانوني للإبادة: استهداف جماعة إثنية أو دينية بهدف تدميرها كليًا أو جزئيًا. وهي ليست مجرد "حرب أهلية" كما يحاول د. عبد الله تصويرها، بل مشروع إبادة متكامل، مبرر بأيديولوجيا عنصرية–دينية ومتجذر في بنية الدولة السودانية نفسها ونخبها من أمثال الدكتور.
تفنيد ادعاء «الجنوسايد الشمالي» في توريت 1955 حين يصف د. عبد الله علي إبراهيم أحداث توريت 1955 بأنها "جنوسايد شمالي"، فإنه يقدّم مثالًا صارخًا على التلفيق التاريخي. المؤرخ النرويجي Øystein H. Rolandsen يوضح في دراسته (False Start: Between War and Peace in the Southern Sudan, 1956–62) أن ما وقع في توريت كان بداية تمرد عسكري محدود، ناتج عن سياسات الإقصاء والتمييز التي فرضتها النخب المركزية منذ الاستقلال، ولم يكن أبدًا مشروع دولة لإبادة جماعة شمالية أما المؤرخ Douglas H. Johnson، في كتابه The Root Causes of Sudan’s Civil Wars، فيشير بوضوح إلى أن أحداث توريت، رغم دمويتها، لم تكن سوى لحظة انفجار لغضب جنود جنوبيين شعروا بخيانة الخرطوم لهم بعد أن وُعدوا بالمساواة ثم أُعيد إنتاج التراتبية الاستعمارية نفسها. لم يأتِ أي دليل، بحسب Johnson على أن هناك قصدًا متعمدًا لإبادة "الشماليين" كجماعة ويدعم هذا الطرح أيضًا Scopas S. Poggo في كتابه The First Sudanese Civil War: Africans , Arabs, and Israelis in the Southern Sudan, 1955–1972 حيث يوضح أن توريت كانت حادثة مأساوية في سياق انهيار الثقة بين الجنوب والشمال، لكنها لم تتطور إلى سياسة رسمية لاي مجموعة، ولم يُعاد إنتاجها لاحقًا كنمط متواصل من القتل الجماعي ضد الشماليين. إذن، ما يحاول د. عبد الله تصويره على أنه "جنوسايد شمالي" لا يصمد أمام أبسط معايير اتفاقية منع جريمة الإبادة (1948)، التي تشترط القصد المتعمد لتدمير جماعة عرقية أو دينية. أحداث توريت لم تكن سوى فعل تمرد معزول، بينما إبادة الجنوبيين على يد الجيش السوداني كانت سياسة مستمرة وبقصد لأكثر من نصف قرن، استوفت عناصر الجريمة كما نص عليها القانون الدولي. بذلك، يظهر أن د. عبد الله علي إبراهيم لا يقدّم قراءة علمية أمينة، بل يمارس الاحتيال الأكاديمي الرخيص، عبر قلب الحقائق واستخدام مأساة معزولة كذريعة لتبرئة المركز من جريمة الإبادة الجماعية ضد الجنوبيين، ولكن تم القبض عليه متلبسا!
. ٦/ الفقرة الدراماتيكية: وجوهُ المأساةُ وراء الأرقامِ عندما نتحدّثُ عن ما يقاربُ مليونين من القتلى الجنوبيين خلال نصف قرنٍ من الحرب، لا نتعاملُ مع إحصاءاتٍ جامدة فحسب، بل مع بشرٍ كانوا أسماءً وحكاياتٍ وأسراً وثقافاتٍ صارت رهينةً للوحشية. كل رقمٍ هنا يرمزُ إلى شخصٍ وذاكرةٍ تكاد تُمحى، ومن أمثلة الوجوه الفردية التي تكررت قصصُها آلافِ المرّات: أمُّ احتُبِس منزلُها وأُحرِقَت مع أطفالها؛ طفلةٌ طُرِحت في الهواء والتقطها رجلٌ مسلّح بسنكي؛ نساءٌ اغتُصبن جماعياً ثم استُهدفت أبدانهن أمام أقربائهن؛ رجالٌ صلبوا على الأشجار أو أُحرِقت قراهم بأكملها- او حتي ادخلوا الي عربات القطارات وحرقوا احياء حتي تحولوا الي مواد سائلة! هذه المشاهد ليست أحداثًا معزولة أو حوادث شاذة؛ بل هي منهجٌ تكرّس يوميًّا حتى ترسّخت التجربة في الذاكرة الجمعية للجنوب. لذا، حين صوّت الجنوبيون بأكثر من 90% للانفصال عام 2011، لم يكن تحوّلاً عاطفياً فحسب، بل صرخةً سياسيةً والتزامًا بإنقاذ ما تبقّى من حياة وكرامة بعد عقودٍ من العنف المنهجي وإقرار بان وطنا نخب أمثال عبد الله علي إبراهيم لا رجاء منه! في المقابل، يلجأُ د. عبد الله إلى أساليبٍ دعائيّةٍ رخيصة: تسطيحٌ للحقائق، مزجٌ بين الطرائفِ المكرورة والتقريرَ الإداريّ الصغير، واستخدامُ لغةٍ استهلاكيةٍ تشبه "الصفحات الصفراء" الإعلامية لتشتيت القارئ. من مناهج الخطاب الإعلامي–الدعائي المعروفة التي يستخدمها أمثالُه: - التقزيم والتشتيت: التركيز على حادثةٍ بعينها بغية طمس الصورة الكلية، أو إظهارها كقاعدةٍ بينما هي استثناء. - التشويش بالمصطلحات: استبدال مفاهيمٍ قانونية واضحةٍ بمجازاتٍ مبهمةٍ (مثل "تسريح") لإخفاء المسؤولية التاريخية والاخلاقية - قلب الضحية والجلاد: تقديم الضحية في صورةِ الجاني عبر اختزال البنية التاريخية والسياسية علميًا، هذه تقنياتٌ مدروسة في دراسات الإعلام والدعاية: التقزيم (minimization) التشويه (distortion) والانفراد بالسرد (single-story framing) وكلها أدواتُ التلاعب بالرأي العام التي تستعملها الآلات الإعلامية والدعائية لشرعنة فظائعٍ أو تبريرها.
: ٧/ عبد الله علي إبراهيم: خطابٌ متعالٍ علي خيبة تاريخية وينتمي إلى منطقِ الفاشية الأيديولوجيّ تحليل خطاب عبد الله علي ابراهيم يكشف جذورًا أيديولوجية واضحة: رؤيةٌ صفوية ترى نفسها وحدها صاحبةَ "حقّ تعريف المواطنة"، وتقيم للآخر مقاييسٍ منسوبةٍ لا إنسانية. ملامح هذه الرؤية - إعادة إنتاج رؤية الصفوة العربية–الإسلامية: خطابُ يشرعن التمييز الثقافي والديني، ويحوّل المواطنة إلى امتيازٍ تُمنحه أو تُمنعه النُخبة، بدل أن تكون حقًا متساويًا لكل المواطنين. - توظيف إشكاليات لغوية لتطبيع العنف: مصطلحات مثل "تسريح" أو "فوضى" أو "جنوسايد شمالي" تُستعمل كأقنعةٍ تصيغُ بديلاً قانونيًّا للأحكام الأخلاقية والتاريخية اوالقضائية مستقبلا، فتغيّبُ القصدَ وتخفّفُ من جسامة الجرائم. - موقعه الأيديولوجي: لا يقف د. عبد الله كباحثٍ محايدٍ يقرأ الوقائع، بل كجهةٍ سياسيةٍ تُعيد إنتاج سرديةٍ تاريخيةٍ توجّهُ التبرير للهيمنة التاريخية، وان كانت تتهاوي في هذا الوقت! هذه الآليات ليست فريدة لخطابه؛ بل لها سوابقٌ تاريخيةٌ موثقةٌ عالمياً: - رواندا (1994): خطابُ «قوى الهوتو» ووسائط مثل إذاعة RTLM استعملت لغةً تقلّل من إنسانية التوتسيّين وتدعو إلى "تنقية" المجتمع؛ التحريضُ اللفظي كان مقدمةً لإبادةٍ منظّمة. - الولايات المتحدة (القرن التاسع عشر): خطابُ Manifest Destiny (جون أوسوليفان) وأيديولوجياتُ الاستيطان شكّلت مبرراتٍ لعمليات التهجير والإبادات ضدّ الشعوب الأصلية (مثل )Trail of Tears وسياسات "الترحيل" والمجازر المتكررة - أمريكا اللاتينية/الغزو الإسباني: جدل سبولفيدا–لاس كاساس، حيث برّر سبولفيدا استعباد السكان الأصليين لكونهم "أدنى درجة" من الإنسانية، بينما وقف لاس كاساس مدافعًا عن حقوقهم—وهنا تُرى ولادةُ مشروعيةٍ فقهيةٍ للقتل والسيطرة. الإمبريالية الأوروبية والاجتهادات الاستعمارية: (Social Darwinism) منظّرون كـ Herbert Spencer وآخرون صاغوا لغةً "علمية" لتسويق تفوّقٍ عنصريٍ يؤدي إلى تبرير الاستعلاء والاستبعاد - إيطاليا في إثيوبيا (عهد موسوليني): استخدم القادة الاستعماريون تصوّرات عنصرية لتبرير حملات قمع وقتل (بما في ذلك استخدام غازات سامة)، ما يبيّن أن الإجرام الإمبريالي يلبس طقوسَ "التمدين" لتبريره. المشترك بين هذه النماذج وخطاب د. عبد الله هو آلية نزع الإنسانية عن الآخر ثم شرعنة العنف بحججٍ أخلاقية أو تاريخية أو دينية. هؤلاء النُّظراء أو المؤسسون الفكريون لم يدعوا صراحةً إلى الإبادة دائماً، لكنهم أنتجوا خطابًا فكريًا يسمحُ للسلطات بأن ترى في القتل وسيلةً لإعادة تشكيل العالم وفق تصورهم. من ثم، لا يكفي وصفُ عبد الله بأنه "مخطئ" أو "متحيّز"؛ هو جزءٌ من شبكة خطابيةٍ تعمل كآليةٍ مشروعَة لإعادة الشرعية إلى سياسات الإقصاء والعنف. نقدُه لا ينبغي أن يظل في حدودِ الإنكار المنطقي فحسب، بل يجب أن يكشف الوظيفةَ العمليةَ لخطابه: تطبيعُ العنف والشرعنة الفكرية له.
٨/ خاتمة: الحقيقة التي لا تُمحى قد يحاول عبد الله علي إبراهيم أن يُلبس الحق بالباطل، وأن يعيد إنتاج الحيلة القديمة لقلب الضحية إلى جلاد. غير أن الوقائع التاريخية والقانونية والسياسية أوضح من أن تُزوَّر أو تُشوَّش- فقد تم توثيق ماحدث جيدا! - ما جرى في الجنوب إبادة جماعية موثقة في تقارير الأمم المتحدة، اللجنة الدولية لحقوق الإنسان، والمحكمة الجنائية الدولية، إلى جانب منظمات مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وغيرها - المسؤولية التاريخية تقع على عاتق الجيش السوداني والنخب المركزية التي صاغت مشروع الإقصاء والاستعلاء منذ الاستقلال، لا على لحظة تمرد 1955 التي يحاول تضخيمها وإخراجها من سياقها. - كل ضحية من المليوني جنوبي كانت شاهدًا على عنصرية متجذرة، وعلى منظومة فكرية وسياسية حولت إنسانًا كامل الكرامة إلى مادة للقتل والتشريد... إنكار هذه الحقيقة لا يُسقطها؛ بل يزيد من مسؤولية المثقفين في فضح الخطاب الذي يحاول أن يبرر أو يخفف من وقع الإبادة. وهنا يصبح نقد أمثال عبد الله علي إبراهيم وفضحه واجبًا معرفيًا وأخلاقيًا، ليس فقط لتفنيد الأكاذيب، بل لتفكيك البنية الذهنية التي أعادت إنتاج الجريمة مرارًا. وعلى المستوى النفسي–السياسي، يمكن فهم خطابه ضمن ما وصفه ستانلي كوهين حال الانكار(States of Denial, 2001) الإنكار الجماعي؛ أي اللجوء إلى استراتيجيات بلاغية ومفاهيمية لإنكار الجرائم رغم وفرة الأدلة، كآلية دفاعية للحفاظ على صورة الذات والهوية الجمعية. كما يتجلى فيه ما يسميه فرويد آليات الدفاع النرجسية (Narcissistic Defense Mechanisms)؛ حيث يتحول الاعتراف بالمسؤولية إلى تهديد للذات، فيُستعاض عنه بالإسقاط (projection) وقلب الأدوار. ومن زاوية لاكانية، فإن خطاب عبد الله يعكس ما يُعرف بـ "الاستمرار في الوهم" (méconnaissance)، أي التمسك بخطاب قديم رغم انهيار واقعه، لأن الاعتراف بالحقيقة يعني مواجهة "الموت الرمزي" لبنية الهيمنة التي انتمى إليها! بهذا المعنى، لا يعود الأمر مع أمثال عبد الله علي إبراهيم إلى مجرد "اختلاف وجهات نظر"، بل إلى خطاب مأزوم يسعى إلى حماية بقايا سلطة رمزية فقدت مشروعيتها. وكلما لجأ عبد الله إلى التزوير واللعب بالمفاهيم، ازداد انكشافًا. الحقيقة التي لا تُمحى هي أن دماء الضحايا كتبت ما يحاول إنكاره: أن السودان القديم مات، وأن مشروع السودان الجديد – العلماني، العادل، القائم على المواطنة المتساوية – ينهض من بين الركام وسترجعه عبد الله علي إبراهيم ومن لف لفه!
النضال مستمر والنصر اكيد.
(أدوات البحث والتحرير التقليدية والاليكترونية الحديثة استخدمت في هذه السلسلة من المقالات)
09-23-2025, 06:57 PM
Ahmed Eltigani Sidahmed Ahmed Eltigani Sidahmed
تاريخ التسجيل: 02-01-2024
مجموع المشاركات: 89
أحسنت يا خالد كودي.. لكن بذل الفكر والقلم مع عبد الله علي إبراهيم لا يجدي. فكثير من كتاباته تقوم على تمجيد عبد الخالق محجوب، الذي فصله من الحزب، في محاولة “ليحنّن الناس”. وقد تطاول هذا الكذوب فوصف النوبيين، أبناء كوش، بأنهم مهاجرون من الصحراء إلى النيل، وألبس مؤدلجي ومليشيات البرهان ثوب الحداثة. فلا غرابة أن اعتبر أحداث توريت ١٩٥٥ “جينوسايد شمالي”
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة