لكي نتفادى الإطالة في شرح مساوىء ومحاسن هذه الحرب اللعينة، نفضل ان نبدأها بالمساوىء، على ان نكمل المقال في الجزء الثاني بالمحاسن، وهي اكثر تشوقاً فأنتظروا الجزء الثاني. معظم الحروب في الغالب تكون مضرة، ولها مساوىء تفوق محاسنها، خاصة اذا كانت حرب قاسية بقساوة الحرب السودانية الحالية التي اساء فيها من اشعلوها التقديرولم يضعوا إحتمالا واحداً لإمكانية فشلها وفرط زمامها من ايديهم، وذلك لأنهم كانوا يراهنون على من خطط لهم هذه الحرب ووعدهم بحسمها عبر الطيران في اسبوع واحد أو اسبوعين على اسوء تقدير. ولكن سنن الحرب ماضية ولن تجد لسنة الحرب تبديلا ولا تحويلا ، إلا اذا شاء الله، فحدث ما حدث الذي فاق تصورهم وتصور أي كائن كان. إن اكثر الخسائر فداحة في هذه الحرب هي تلك التي لحقت بالإنسان السوداني. ويكفي فقط ان نشير الى المحرقة الهائلة التي قضت على الشباب الذين هلكوا في هذه الحرب وهم في عز شبابهم وذروة عطائهم، بجانب النزوح والهجرات الضخمة التي لازمت الشعب السوداني منذ اندلاع الحرب والى يومنا هذا. اضف اليهم الأعداد الكبيرة للذين توفوا نتيجة الضغوط النفسية القاسية التي تفوق تحمل الجمال والجبال، ومعظم هؤلاء من الأساتذة، والمعلمين، والفنانين، والرياضين، والمسرحيين، والموظفين، والأطباء، والذين يمكن ان نطلق عليهم مجازا "الذين يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف" هؤلاء مات معظمهم كمدا نتيجة ما الم بهم من ضغوط ضاعفت ما ظلوا يتحملونه طيلة سنين حياتهم قبل الحرب، وبمتوالية هندسية. وإن ننسى فلن ننسى المجاعة الطاحنة وسوء التغذية الحاد التي اصابت الأطفال والكبار، الأمر الذي يجعل من جميع الأطفال الذين لا يزالون على قيد الحياة، والمصابون بسوء التغذية الحاد، اطفالا معاقون ذهنياً ومعتلين صحياً، وهم بذلك يعتبروا في اعداد الموتى، بمعنى انهم يعتبروا مصابين بعاهاة مستديمة ولا يرجى التافي منها، أي يعتبروا مثل السلعة التالفة، التي لا يمكن اصلاحها. وهؤلاء الأطفال تصل اعدادهم الى عدة ملايين. أما بالنسبة لكبار السن، والذين تعرضوا للمجاعة والضغوط النفسية والنزوح القسري، فجميع هؤلاء سوف يقضون ما تبقى من حياتهم حبيسوا الأمراض والعلل المستمرة بالتالي يعتبروا غير منتجين، وسوف تكون اعمارهم قصيرة جدا، الا من رحم ربي. اضف الى كل هذا، الأمراض العديدة التي خلفتها الحرب وظلت تفتك بالشعب بلا هوادة نتيجة لسوء التغذية التي لازمتهم لقرابة الثلاثة سنين، مع انعدام العلاج اللازم لهذه الأمراض، مثل الملاريا، حمى الضنك، التايفوئد، والكثير من الأمراض التي لم يتم تشخيصها لمعرفة كنهها. هذا بالإضافة الى الأمراض الناتجة عن المواد الكيماوية التي قالت بعض المنظمات المختصة انها استخدمت في مناطق واسعة في السودان. وكما هو معلوم فإن آثار هذه المواد الكيماوية سوف تمتد لعشرات السنين في ظل التكتم الشديد عليها من قبل سلطات بورتسودان، وعدم السماح للمنظمات الأممية المختصة بالحضور ومباشرة الإجراءات اللازمة واتخاذ التدابير الممكنة والتي قد تحد من آثارها. اما الذين خاضوا هذه الحرب من العسكريين والمستنفرين وغيرهم من الكتائب العديدة، ولا يزالون احياء، فجميع هؤلاء مصابون بأمراض نفسية حادة ويعتبرون خطر ماحق على من حولهم وعلى انفسهم والشعب السوداني قاطبة، ويجب ان يسجل جميع هؤلاء لدى مراكز نفسية متخصصة ولدى الجهات الأمنية بإعتبارهم اشخاص (عاليي الخطورة) وانهم بحاجة الى تأهيل نفسي مكثف عاجل، ويكون في مراكز نفسية ذات تجهيزات طبية متقدمة، ولا اعتقد ان مثل هذه المراكز متوفرة في السودان في الوقت الحالي، أو يمكن توفرها حتى بعد عشر سنوات من الآن، خاصة اذا علمنا ان عدد الإختصاصين النفسيين في السودان قبل الحرب لم يتجاوز الخمسين (50) اختصاصي في عموم السودان. وفوق هذا وذاك، الخسائر المادية الكبيرة في الممتلكات الشخصية من مباني ومنازل ومصانع ومركبات، وكذلك خسائر الدولة الكبيرة المتمثلة في المرافق العامة المدنية والعسكرية والعتاد العسكري وكذا البنى التحتية وخلافه. ومن المعلوم فإن كل هذه الخسائر الجسيمة تعتبر من افرازات الحروب وليست بمستغربة. لذلك قال عنها قديماً شاعر الحكمة، وداعي السلام، الشاعرالجاهلي زُهير بن أبي سُلمه (ليس سلمى) المُزَني (520م – 609م)، في معلقته الرائعة والتي ينصح فيها طرفي حرب داحس والغبراء والتي نسبت بين عبس وذبيان، وهما ابناء عمومة من قطفان، و استمرت ا أربعين سنة، منها 18 سنة لم تحمل خلالها أي إمرأة من الطرفين، نسبة لإنشغال الرجال في الحرب. فنصحهم الشاعر زهير بن ابي سلمه، بألا يعودا للحرب مرة أخرى، لما فيها من مآسي ودمار وخراب وقتل للنفس، حيث قال: وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ* وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً * وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ فَتَعرُكُّمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها * وَتَلقَح كِشافاً ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُم * كَأَحمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتَفطِمِ لَعَمري لَنِعمَ الحَيُّ جَرَّ عَلَيهِمُ * بِما لا يُواتيهِم حُصَينُ بنُ ضَمضَمِ (الكيزان) وَقالَ سَأَقضي حاجَتي ثُمَّ أَتَّقي * عَدُوّي بِأَلفٍ مِن وَرائِيَ مُلجَمِ فَشَدَّ وَلَم تَفزَع بُيوتٌ كَثيرَةٌ * لَدى حَيثُ أَلقَت رَحلَها أُمُّ قَشعَمِ (فرار افراد الشرطة والعديد من القوات النظامية للأقاليم وخارج السودان) لَدى أَسَدٍ شاكي السِلاحِ مُقَذَّفٍ * لَهُ لِبَدٌ أَظفارُهُ لَم تُقَلَّمِ (الدعم السريع) جَريءٍ مَتى يُظلَم يُعاقِب بِظُلمِهِ * سَريعاً وَإِلّا يُبدَ بِالظُلمِ يَظلِمِ (الدعم السريع)
يقول زهير في البيت رقم اربعة، فإنكم يا ايها المتحاربون سوف تلدون اثناء هذه الحرب ابناءً كلهم شؤم وكل واحد منهم يضاهي في الشؤم ذلك الفتى الذي عقر ناقة سيدنا صالح. ثم ترضعهم الحروب وتفطمهم، أي تكون ولادتهم ونشوؤهم في الحروب فيصبحون مشائيم شريرين تماماً مثل آبائهم (هذا ينطبق على جميع الأطفال والشباب الذين عاصروا هذه الحرب).
وقد توسط للصلح بين قبيلتي عبس وذبيان وإنهاء تلك الحرب بينهما رجلان هما: هرم بن سنان، والحارث بن عوف، فقدم الرجلان أكثر من ثلاثة آلاف بعير (جمل) دية لقتلى الفريقين وبذلك انهوا الحرب، فخلد الدهر ذكر الرجلين (هرم والحارث)، فقال عنهما الشاعر زهير بن ابي سٌلمه: يميناً لنعم السيدين وجدتما * على كل حال من سحيل ومبرم ( يعني رقبتهما سدادة لكل صغيرة وكبيرة) تداركتما عبس وذبيان بعدما * تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم (منشم دي واحدة عندها جنبة تبيع فيها العطور) وقلتما ان ندرك السلم واسعاً* بمال ومعروف من القول نسلم سبحان الله حرب داحس والغبراء حدثت في زمن الجاهلية، ومع ذلك قبل الطرفان غير المسلمين الصلح وأوقفوا الحرب بعد توسط السيدين هرم والحارث فقط. ونحن بعد اكثر من 1400 عام من ظهورالإسلام ونتشدق ليل نهار بأننا خلفاء الله في الأرض، نرفض الصلح واياف هذه الحرب القذرة، على الرغم من الوساطات الكثيرة التي جاءت من كل حدب وصوب، ونحن لا نزال نصر على البل واستمرار الحرب حتى فناء الطرف الآخر، وإن استمرت الحرب مئة عام. فهل يا ترى نحن نفس المسلمين الذين خاطبهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قوله ( اذا التقى المسلمين بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار). بعد الحديث ده ما في واحد يجي يفتري على الرسول ويقول فلان شهيد، بل هو في النار وبئس المصير. لا للحرب، لا للعنصرية، لا للجهوية، لا لتقسيم السودان، نعم للسلام، نعم للحرية، نعم للعدالة. اوهاج م صالح
وَلا شارَكوا في القَومِ في دَمِ نَوفَلٍ وَلا وَهَبٍ مِنهُم وَلا اِبنِ المُحَزَّمِ فَكُلّاً أَراهُم أَصبَحوا يَعقِلونَهُم عُلالَةَ أَلفٍ بَعدَ أَلفٍ مُصَتَّمِ تُساقُ إِلى قَومٍ لِقَومٍ غَرامَةً صَحيحاتِ مالٍ طالِعاتٍ بِمَخرِمِ لِحَيٍّ حِلالٍ يَعصِمُ الناسَ أَمرُهُم إِذا طَلَعَت إِحدى اللَيالي بِمُعظَمِ كِرامٍ فَلا ذو الوِترِ يُدرِكُ وِترَهُ لَدَيهِم وَلا الجاني عَلَيهِم بِمُسلَمِ سَئِمتُ تَكاليفَ الحَياةِ وَمَن يَعِش ثَمانينَ حَولاً لا أَبا لَكَ يَسأَمِ رَأَيتُ المَنايا خَبطَ عَشواءَ مَن تُصِب تُمِتهُ وَمَن تُخطِئ يُعَمَّر فَيَهرَمِ وَأَعلَمُ عِلمَ اليَومِ وَالأَمسِ قَبلَهُ وَلَكِنَّني عَن عِلمِ ما في غَدٍ عَمي وَمَن لا يُصانِع في أُمورٍ كَثيرَةٍ يُضَرَّس بِأَنيابٍ وَيوطَأ بِمَنسِمِ وَمَن يَكُ ذا فَضلٍ فَيَبخَل بِفَضلِهِ عَلى قَومِهِ يُستَغنَ عَنهُ وَيُذمَمِ وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِ يَفِرهُ وَمَن لا يَتَّقِ الشَتمَ يُشتَمِ وَمَن لا يَذُد عَن حَوضِهِ بِسِلاحِهِ يُهَدَّم وَمَن لا يَظلِمِ الناسَ يُظلَمِ وَمَن هابَ أَسبابَ المَنِيَّةِ يَلقَها وَلَو رامَ أَسبابَ السَماءِ بِسُلَّمِ وَمَن يَعصِ أَطرافَ الزُجاجِ فَإِنَّهُ يُطيعُ العَوالي رُكِّبَت كُلَّ لَهذَمِ وَمَن يوفِ لا يُذمَم وَمَن يُفضِ قَلبُهُ إِلى مُطمَئِنِّ البِرِّ لا يَتَجَمجَمِ وَمَن يَغتَرِب يَحسِب عَدُوّاً صَديقَهُ وَمَن لا يُكَرِّم نَفسَهُ لا يُكَرَّمِ وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ وَمَن لا يَزَل يَستَحمِلُ الناسَ نَفسَهُ وَلا يُغنِها يَوماً مِنَ الدَهرِ يُسأَمِ نبذة عن القصيدة الآن بعد ان اوضحنا بعضاً من الخسائر المختلفة نعرج الآن الى فوائد هذه الحرب والتي يمكن سردها في التالي: بعد نشوب الحرب مباشرة وربما قبلها بيومين، فقد العديد من السودانيين، وفي مقدمتهم البلابسة، شر وبعض قيادات ج ش أ، وخلافه الى حيث تم تدبير وحياكة هذه الحركان (معرفة حقيقة ، ......،
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة