مقدمة "حان أوان التغيير"أ.د.الخاتم عدلان) "إن المثقف يموت حينما يتخلى عن قضايا مجتمعه وعصره، لينغمس كليا في ممارسة الحياة."غرامشي" في مشهدٍ سياسيٍّ بالغ التعقيد، تتقاطع فيه المواقف، وتتماهى فيه الشعارات، تطلّ علينا ظواهر فريدة في الساحة السودانية، كعودة الحزب الشيوعي للواجهة بدعوى "العافية الديمقراطية"، في الوقت الذي تطرح فيه قيادات من حزب المؤتمر الوطني، المحلول رسميًا، دعواتٍ للتحالف معه. هذا المشهد لا يُفهم بمعزل عن إرث طويل من التحالفات الانتهازية، والصراعات الإيديولوجية، والانقلابات السياسية، التي ظلت سمة لصيقة بالنكب السودانية منذ الاستقلال وحتى اليوم. "23/06/2020 — انعقد لقاء مشترك بين السفير المصري في الخرطوم حسام عيسي ووفد من الحزب الشيوعي السوداني في دار الحزب بطلب من السفير المصري" أولًا: الحزب الشيوعي السوداني فرع المؤتمر اللاوطني يبدو عنوان "الحزب الشيوعي فرع المؤتمر اللاوطني" صادمًا للبعض، لكنه يعكس حالة واقعية من التشابك في السلوك السياسي بين الحزبين، رغم تناقض شعاراتهما الإيديولوجية. فالواقع، كما يقول المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي: "الواقع هو الحقيقة الفعلية التي تتجاوز الشعارات"، وقد أثبت الواقع السوداني أن أدوات السيطرة والجهوية، والإقصاء، والتحالفات الانقلابية، ليست حكرًا على تيار دون آخر فهم سيان. إن ما يجمع الحزب الشيوعي والمؤتمر الوطني – بحسب المتابعين – ليس الإيديولوجيا، بل الممارسة العملية للسياسة من حيث التمترس الجهوي، والوصاية النكبوية، ومحاولات السيطرة على أدوات الدولة، ولو عبر الانقلابات ان الحزب هو اول من اجتمع بالسفيرالمصرى الراعى الرسمى للانقلابات السودانية خلال فترة الانتقال! . إذ لم يُعارض الحزب الشيوعي انقلاب البرهان في بداياته بشكل مبدئي، بل بدا موقفه ضبابيًا إلى حين تبيّن اتجاه الريح، وهذا ما عبّرت عنه بعض التحليلات التي رأت أن: "تحالفهم بانقلاب البرهان خير لهم من تدمير جيش البلاد الذي تحول إلى مليشيات بفعل مغامراتهم الانقلابية منذ العام 1969، والشينة منكورة!" ثانيًا: دعوة سناء حمد… تحالف نادر أم تكتيك مكشوف؟ في خطوة وُصفت بالنادرة، دعت سناء حمد العوض، القيادية بالمؤتمر الوطني، الحزب الشيوعي السوداني إلى تحالف، واعتبرت عودته للعمل "دليل عافية". هذه الدعوة لم تكن بدافع التعددية أو الإيمان بالديمقراطية، بل جاءت ضمن سياق براغماتي يهدف لإعادة تدوير المشهد السياسي بما يخدم مصالح القوى الانقلابية التي تتقن فن البقاء تحت أي لافتة، ولو كانت "ديكتاتورية". في هذا السياق، نقرأ ما ورد في بيان للحزب الشيوعي:
"اللقاء تم بمبادرة من مدير الجهازصلاح قوش، لتوضيح سياساتهم خلال الفترة المقبلة، وما يراه من حلول ماثلة إزاء ما يمر به الوطن وتمور به ساحاته" وهو ما يعكس استجابة الحزب لمبادرات قوى السلطة، لا من باب الحوار الوطني بل من باب الحفاظ على الحضور الشكلي ضمن توازنات السلطة القادمة.
ثالثًا: انقسامات الحزب الشيوعي… جدل الجذريين والبراغماتيين يشهد الحزب الشيوعي اليوم أحد أسوأ مراحله التنظيمية منذ تأسيسه، حيث طفت على السطح انقسامات عميقة، تجلّت خصوصًا بعد اندلاع الحرب. وقد أوردت تقارير أن:
"الانقسام تعمّق بشكل أكبر بعد اندلاع الحرب، حيث برزت تباينات حادة بين قيادات اللجنة المركزية بشأن الموقف السياسي الواجب اتخاذه..."
وفي مقدمة هذا الصراع، يظهر القيادي صديق يوسف الذي يدعو إلى "المرونة" والانفتاح على القوى السياسية، خلافًا للمواقف الجذرية التي ظلت سمة الحزب سابقًا. هذه التوجهات تشير إلى أزمة رؤية داخل الحزب، تتعلق بتحديد من هو العدو الحقيقي: هل هو الإسلاميون؟ أم العسكر؟ أم القوى المدنية المتحالفة مع هذا الطرف أو ذاك؟ رابعًا: هل أصبح الحزب الشيوعي مجرد تعبير طبقي؟ التحليل الطبقي للحزب نفسه يطرح سؤالًا جوهريًا حول ماهية الحزب ودوره. فكما جاء في تحليل لبعض عضويته:
"فالحزب قبل أن يكون مؤسسة سياسية تتبنى الفكر الماركسي ومنهج التحليل الطبقي، هو نفسه يُعبّر عن محتوى طبقي واجتماعي لجماعات من الطبقة الوسطى المدينية، المنحدرة من طبقة الأفندية..."
هذا الطرح يكشف الغطاء عن التناقض الصارخ بين شعارات الحزب (تحرير الطبقات الكادحة) وسلوك قياداته، التي تنتمي في الأغلب إلى نخب مدينية مستفيدة من البنية المركزية للسلطة. ولعل ما أظهرته الحرب من مواقف ضبابية يؤكد هذه المفارقة، ويضع الحزب في خانة القوى الانتهازية، التي قد ترفع شعارات "التحرر" بينما تتحالف مع رموز النظام السابق أو العسكريين لأسباب تكتيكية. خامسًا: أزمة القيادة والتنظيم في الحزب الشيوعي الواقع الحالي للحزب يكشف عن انهيار المؤسسية، وغياب القيادة القادرة على استيعاب التحولات الجذرية في الشارع السوداني. وقد ورد في نقد داخلي أن:
"الحزب لم يعد بالقوة والفاعلية التي مكّنته في الماضي من قيادة الشارع وتنظيم النقابات والطلاب، بل أصيب بالضعف التنظيمي، والتشرذم الداخلي..."
وهذا ما أشار إليه الكاتب في سلسلة مقالاته تحت عنوان: (مخترق أم مختطف؟)، حيث أرجع التراجع إلى ضعف القيادة، الميل للإقصاء، والشللية، وهي جميعها سمات تشترك فيها غالبية الأحزاب السودانية التقليدية. خاتمة: ما بين شعارات "العدالة الاجتماعية" و"الشريعة" " و"القيادة التاريخية"، ضاع جوهر السياسة السودانية، الذي يجب أن يقوم على مبادئ العدالة، والمواطنة، والتداول السلمي للسلطة. أما ما نراه اليوم من تحالفات "فكةالتوالى" بين أحزاب انقلابية تتباين ظاهريًا وتتطابق جوهريًا، فهو لا يبشّر بعهد ديمقراطي حقيقي، بقدر ما ينذر بإعادة إنتاج ذات الأزمة، بذات الأدوات، وتحت لافتات جديدة.
المراجع:
الصيحة – بيان الحزب الشيوعي السوداني. منشور القيادية سناء حمد العوض، 2025. مقالات: جدلية الصراع في الحزب الشيوعي: مخترق أم مختطف؟أ.عاطف عبدالله تحليلات صحفية وسياسية منشورة في المواقع السودانية المستقلة.د.الخاتم عدلان أ.حاتم الياس المحامى غرامشي، أنطونيو. كراسات السجن – في جدلية الواقع والشعارات. التآمر المصرى على السودان كتبه الأمين مصطفىالتآمر المصرى على السودان كتبه الأمين مصطفى
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة