يقود رئيس الوزراء، الدكتور كامل إدريس، وفد السودان إلى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين بنيويورك، حيث سيلقي خطاب السودان أمام قادة العالم يوم السابع والعشرين من سبتمبر الجاري. هذه المشاركة، التي تُعدّ الأبرز منذ تعيينه في مايو الماضي، تضع على عاتقه مسؤولية جسيمة، ليس فقط لتمثيل البلاد في محفل دولي رفيع، بل لإعادة تقديم الرواية السودانية الحقيقية بشأن الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين.
فالخطاب المرتقب أمام الجمعية العامة لا يقتصر على استعراض الأوضاع الميدانية أو الآثار الإنسانية للحرب، بل يمثل فرصة لإعادة تشخيص الأزمة من جذورها: تمرد مليشيا الدعم السريع على الدولة، بدعم خارجي مكشوف يهدف إلى تقسيم السودان وضرب استقراره. وفي هذا السياق، يصبح خطاب إدريس اختباراً دبلوماسياً بامتياز، إذ يتعين عليه الجمع بين لغة الوضوح السياسي والدبلوماسية المتزنة لإقناع المجتمع الدولي بعدالة الموقف السوداني.
لكن للوصول إلى هذه اللحظة، لا بد من التذكير بخلفياتها. ففي تطور سياسي مفصلي، وفي سياق منعطف تاريخي حاسم، أصدر رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، في 19 مايو 2025، مرسوماً دستورياً قضى بتعيين الدكتور كامل إدريس رئيساً لمجلس الوزراء..
هذا القرار لم يكن معزولاً عن أجواء الحرب الدائرة، إذ أن تعيين رئيس وزراء جديد جاء ليعكس إدراك القيادة أن الصراع مع مليشيا الدعم السريع لم يعد عسكرياً فقط، بل تحوّل إلى معركة شاملة: سياسية، دبلوماسية، وإعلامية. ومن هنا، أعاد القرار ترتيب الأوراق على المستويين الإقليمي والدولي، ومنح الموقف السوداني الرسمي مصداقية أكبر في المحافل الدولية، وقوّض محاولات إضفاء الشرعية على ما يُسمى بـ”الحكومة الموازية”. كما أغلق الباب أمام محاولات أطراف خارجية إعادة طرح اسم عبدالله حمدوك، الذي ارتبط في الوعي العام بمشهد العجز وفقدان الإرادة.
واليوم، تبدو التحديات الخارجية أكبر من أي وقت مضى. فالمطلوب من إدريس أن يقود حملة دبلوماسية واسعة تتجاوز الخطاب إلى الفعل، من بينها الدفع نحو عقد جلسة خاصة للجمعية العامة حول السودان. خطوة كهذه ستمنح الخرطوم زمام المبادرة، وتضع العالم أمام مسؤولياته تجاه معاناة شعب يتعرض لحرب بالوكالة، وتدخلات أجنبية، وتورط مرتزقة من كولومبيا إلى غرب أفريقيا.
المشاركة السودانية في اجتماعات الجمعية العامة، وما يتخللها من لقاءات لرئيس الوزراء مع مسؤولين بالأمم المتحدة ورؤساء وفود متعددة، ليست مجرد نشاط بروتوكولي، بل فرصة لتوسيع دائرة الدعم، وإعادة السودان إلى طاولة الاهتمام الدولي بوصفه دولة ذات شرعية دستورية تواجه تمرداً مسلحاً. كما أن حضور إدريس في اجتماعات الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية يذكّر بأن استقرار السودان ركيزة أساسية لاستقرار الإقليم بأسره.
وبينما يقرأ النخب السياسية هذه المشاركة باعتبارها انتقالاً من مربع رد الفعل إلى مربع الفعل والمبادرة، يراها المواطن السوداني رسالة بأن حكومته ليست معزولة عن العالم، وأنها تخوض معركته السياسية والدبلوماسية كما تخوض القوات المسلحة معركته في الميدان.
إن نجاح الدكتور كامل إدريس في نيويورك لن يُقاس فقط بوقع كلماته على مسامع قادة العالم، بل بمدى قدرته على تثبيت سردية السودان الحقيقية: أن الحل يبدأ بدعم الدولة الوطنية ومؤسساتها، لا بشرعنة المليشيات أو فرض حلول خارجية مشبوهة. وإذا تحقق ذلك، فإن مشاركته في الجمعية العامة ستكون نقطة تحول في مسار استعادة السودان لمكانته وهيبته على الساحة الدولية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة