الجوارح تشهد علي اصحابها يوم القيامة: - ﴿اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنا أيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أرْجُلُهم بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾
وقد ذكر البيضاوي في تفسيره أن الأرض: "تحدث الخلق بلسان الحال".
فالأيدى والأرجل تقدم (مشهدا تمثيليا) لما عملته في الدنيا. لقد فسر الضحاك: (وزلزلوا زلزالا شديدا) بقوله: "هو إزاحتهم عن أماكنهم حتى لم يكن لهم إلا موضع الخندق" فالزلزلة هنا بمعني ((التراجع)). فإذن زلزال الارض بمعني تراجعها، وهذا ما يؤيده حديث البخاري: (ويوشك أن تسجد [الشمس]، فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها). وطلوع الشمس من مغربها يعني عودة الارض للدوران من جديد؛ فزلزلة الارض تعني: اعادة لمجريات احداث الدنيا -نتيجة لعودة الارض للدوران، لتعود الحياة مرة اخري من حيث توقفت الارض (نهاية الدنيا) الي حيث بدء الخليقة (بداية الحياة الدنيا) أي في الاتجاه المعاكس.
فالارض تعود لدورانها من جديد لتعرض (نفس) احداث الدنيا والغاية من ذلك هي عرض الأعمال، بغرض ان تتذكر النفس ما فعلته: {يوم يتذكر الإنسان ما سعى}؛ فالأعمال تعرض داخل الأرض حيث جرت الأحداث في المرة الأولي؛ وهذا هو معني قوله: {يصدر الناس اشتاتا ليروا اعمالهم} ف "يصدر" بمعني يرجع: {لَا نَسۡقِی حَتَّىٰ یُصۡدِرَ ٱلرِّعَاۤءُ}
وسورة الزلزلة تبدأ بالحديث عن الارض وعن اخراج اثقالها وتحديث اخبارها، ثم يُذكر الرجوع لرؤية الأعمال، فلابد ان يكون الرجوع للارض حيث توجد الأثقال (الأجساد)
والرجوع للأرض لرؤية الأعمال يكون في بداية يوم القيامة وبما أن الأرض تمثل القبر الكبير الذي يحوي كل أجساد البشر والتي تشهد علي أعمالهم فهذا إذن هو عذاب القبر الذي رواه الترمذي عن عثمان: (القبر أول منازل الآخرة ...) وبما أنه يبدأ في الآخرة، فهذا يعني أن ليس بعد الموت أي نوع من الحياة في الدنيا، وهذا يعني ان الانسان حالما يموت تعاد له روحه ليجد نفسه في الاخرة مباشرة، فالميت ليس لديه إحساس بالزمن فلا احساس بالفترة التي يقضيها الانسان ميتا: (قالوا من بعثنا من مرقدنا). >>> ولأن قيام الساعة هو القيام لعرض الاعمال، فالثلاثة تتم في لحظة واحدة بالنسبة للإنسان: الموت وقيام الساعة وعرض الاعمال.
فالساعة إذن هي عودة الأرض للدوران وعلاماتها تظهر في بداية ذلك الدوران بما يعني أن أشراط الساعة تكون مع بداية يوم القيامة: وأبرز اشراطها هو انعكاس حركة الشمس حيث تكون حركتها من الغرب إلي الشرق فيكون شروقها من جهة الغرب وغروبها إلي جهة الشرق.
جاء في لسان العرب "وأَشْراطُ الشَّيْءِ: [[أَوائلُه]]؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمِنْهُ أَشراطُ الساعة وَذَكَرَهَا النَّبِيُّ، وَالِاشْتِقَاقَانِ مُتقارِبان لأَن عَلَامَةَ الشَّيْءِ [[أوَّله]]. ومَشارِيطُ الأَشياء: [[أَوائلها]] كأَشْراطِها وقال الماوردي: "{فَقَدْ جاءَ أشْراطُها﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: الثّانِي: [[أوائِلُها]]، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ"
من كل ذلك يتضح أن قوله تعالي: {فقد جاء أشراطها} يشير إلى التذكير باقتراب الساعة وليس يعني أن الأشراط قد جاءت بالفعل؛ مثلما أن قوله {وانشق القمر} لا يعني أن القمر قد انشق بالفعل.
إنّ [تشغيل الأرض] من اجل إعادة أحداث الدنيا يشبه ما نقوم به الآن من تسجيل للأحداث عبر.الكاميرات الرقمية عالية الجودة، لتشغيلها فيما بعد. فلا يليق أن التكنولوجيا الألهية لعرض الأعمال في الآخرة هي أن تكون الأعمال مكتوبة علي صحف ودفاتر !!
اذن في يوم القيامة تنطلق الارض بسرعة رهيبة: {يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون} ولكن مهما كانت سرعة الارض وحركة الاجساد، فان النفس المنوط بها تذكر ما فعلته في الدنيا تدرك وتستوعب حركة الجسد، لان النفس امكانياتها عالية جدا جدا، فيكفي ان نتخيل وفاتها اليومية عند النوم الي الملكوت الاعلي، وعودتها في لمح البصر متي ما استيقظ النائم. ففي يوم القيامة تتحرر النفس من ثقل الجسد: (فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)، فالارض التي تدور لتعيد احداث الحياة الدنيا هي كمثل اسطوانة (سي دي) تم تسجيلها في الدنيا ويأمر الله بتشغيلها في الآخرة حتي يري العباد اعمالهم امام الخالق: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِه ِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}..
إعادة أحداث الدنيا لا تستغرق طبعا نفس زمن الدنيا: - {ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا} ، - {وإذا الجبال سيرت} - {وإذا البحار سجرت}: فما يحدث للجبال والبحار يشير الي نسف كتلة الأرض، فينتج عنه سرعة أكبر لدوران الارض، ولذلك يتم عرض أحداث الدنيا خلال الخمسين الف سنة -عمر الدنيا (قاله مجاهد)- في زمن وجيز جدا: {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} مما يعني ان اعادة الدنيا (في الآخرة) كلها تستغرق خمسين يوما، وهذا يشبه اليوم خاصية التسريع (fast forward) التي تتميز بها بعض مشغلات الفيديو. ولكن يوم القيامة سوف يكون التشغيل (fast backwards)
فهو تشغيل بسرعة كبيرة وبحركة معكوسة وهذه الحركة المعكوسة هي التي تفرز مظاهر غريبة هي علامات بداية الساعة التي ذكرت في القرآن والسنة مثل مشي السكاري والتطاول في البنيان والتي سنشرحها في الجزء الثاني من الموضوع.
ليس تعاطفا مع اليهود: كثير من الدعاة في عصرنا هذا .. للأسف تفهم من أحاديثهم أنهم يعوّلون علي قيام الساعة لأنه ورد أن من إرهاصات الساعة -إرهاصات وليس أشراط- انهزام اليهود علي يد المسلمين وجاء هذا في حديث صحيح رواه مسلم:
(لا تقوم الساعة حتى يُقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون ...)
فهذا إذن صراع في آخر عمر الدنيا بين يهود ومسلمي آخر الزمان بما يعني أنهما آخر فئة من اليهود وآخر فئة من المسلمين بمعني أن الحق سينتصر على الباطل، وهذا من إرهاصات النبوة مثل نبوءة انتصار الروم بعد الهزيمة التي أخبر بها القرآن. ولا يعني هذا أن اليهود والمسلمين دائما في حالة حرب لأنهما في كثير من الأزمان كانا في حالة تعايش سلمي فنحن حينما نقول بعدم ظهور أشراط الساعة لا نتعاطف مع اليهود وفي نفس الوقت نلفت نظر اخوتنا الذين يخوضون صراعا مع اليهود الآن أنه حتي اذا كان القتال شرعيا فإن التكتيكات القتالية المذكورة في القرآن لا تزال سارية وجائزة مثل التحرّف للقتال أوالتحيّز إلي فئات أخري من المسلمين وهي التعبيرات القرآنية لتكتيك (الانسحاب) ولا يمكن القول بحرمة التولّي مثلما كان في بدر والتي ستكون ايضا في صراع آخر الزمان لأنه في هاتين الحالتين يكون المسلمون فئة واحدة فقط ولا يوجد فئة أخري يُنحاز اليها بل -كما قال بعض العلماء: أن عدم التولي قد يدخل في باب إلقاء النفس في التهلكة والله يقول: {وَلَا تُلۡقُوا۟ بِأَیۡدِیكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ} وسنشرح إن شاء الله لاحقا بالتفصيل: فقه (التولّي يوم الزحف) .. نواصل ..
□■□■□■□■ تذكرة متكررة: ¤¤¤¤¤¤¤¤ بالدعاء على الظالمين الذين اخرجوا الناس من ديارهم بغير حق وسفكوا الدماء وهتكوا الأعراض ونهبوا الحقوق وبهدلوا الناس وبشتنوهم وساموهم سوء العذاب
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة