د. احمد التيجاني سيد احمد المقدمة: الدين لله لا للبشر منذ أن أنزل الله الأديان، جعل لها ربًّا يحميها، ولم يكلّف بشرًا أن يكون خليفة عنه في الأرض ليتسلّط على العباد. لكن تاريخ البشرية يكشف أنّ أخطر ما أصاب الأديان هو ادّعاء البعض أنّهم وكلاء الله، وأنّ لهم سلطة على ضمائر الناس. هؤلاء لم يصونوا الدين بل شوّهوه، وحوّلوه إلى وسيلة حكم وقهر.
الإسلام السياسي: من الوعد إلى الخيبة في القرن العشرين برز ما يُسمّى بـ'الإسلام السياسي'؛ تيارات رفعت شعارات براقة عن العدالة والشريعة، لكنها ما أن وصلت إلى السلطة حتى كشفت عن حقيقتها: في باكستان وأفغانستان تحوّل الدين إلى وقود لحروب أهلية دموية. طالبان أغلقت مدارس البنات، وفرضت الجهل والفقر باسم الفضيلة. في الجزائر خلال التسعينات، استُبيحت أرواح آلاف المدنيين في حرب شعواء باسم 'الجهاد'. في تونس ومصر، جاء الإسلامويون بوعود الإصلاح، لكنهم مارسوا الإقصاء والتسلّط، فكان سقوطهم سريعًا. في سوريا، تحوّلت ثورة الحرية إلى كابوس طائفي بفضل جماعات التكفير. في نيجيريا، اختطفت 'بوكو حرام' الطالبات، وارتكبت أبشع الجرائم ضد المسلمين وغير المسلمين على السواء. وحتى في فلسطين، سُرق نضال شعب بأكمله، وأُفرغت القضية من بعدها الوطني لصالح صراع سلطوي داخلي تحت عباءة الدين.
الجرائم البشعة باسم الدين أقسى ما كشف زيف الإسلام السياسي هو الممارسات غير الإنسانية التي حملت اسم الدين: الاغتصاب والسبي والاستعباد في دارفور والموصل وسوريا؛ قمع المرأة عبر حرمانها من التعليم أو اختطافها كما فعلت بوكو حرام؛ استهداف الأقليات بالقتل والتهجير؛ وثقافة التكفير التي جعلت دم المسلم المختلف في الرأي 'حلالًا'.
أم الكبائر: الحركة الإسلامية السودانية في السودان، بلغ الإسلام السياسي ذروته في الحركة الإسلامية السودانية: انقلاب الكيزان عام 1989 تحت شعار 'المشروع الحضاري'، تدمير الاقتصاد بالفساد المنظّم، إشعال الحروب في الجنوب ودارفور وجبال النوبة والشرق باسم 'الجهاد'، ممارسة الاسترقاق والاغتصاب كسلاح حرب، وترك البلاد منهارة ممزقة.
المقارنة مع نماذج أخرى في جزيرة العرب: تراكمت الثروات بينما فُرضت هيئات القهر باسم الدين. لكن سماحة المجتمعات الخليجية، مع تخطيط حكيم من القادة (باستثناء دولة قطر ذات التوجّه الإخواني)، جعل من التعايش الإسلامي واقعًا مترادفًا مع التطبيق العملي. واليوم بدأت دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، تفكّك مؤسسات فرض التعاليم الذكورية المتعسفة ( مثل الموسسات المتطرفة مثل جماعات ""الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر"" ، متجهة نحو بناء مجتمعات أكثر تحضرًا وانفتاحًا.
في أوروبا وأمريكا: حُميت حرية الأديان عبر قوانين مدنية، وفُتح المجال أمام كل المعتقدات لممارسة شعائرها في أجواء من التعايش.
في سنغافورة وماليزيا: جرى توظيف الإسلام كإطار للتعايش والتنمية، بعيدًا عن الابتزاز والإرهاب، مما جعله سندًا للاستقرار والتطور الاقتصادي.
الإسلام المجتمعي السمح: الوجه الآخر في مقابل التشويه، عرف المسلمون تاريخيا إسلاما مجتمعيًا سمحًا : الطرق الصوفية، قيم الإيثار، حماية الضعيف، المجالس الجامعة. هذا الإسلام صان وحدة المجتمعات وترك أثرًا أخلاقيًا خالدًا.
الدرس المستفاد عبر العصور حين يستولي الساسة على الدين، يتحوّل إلى أداة قهر. الأديان محفوظة بذاتها، والسياسة الملوّثة بالدين تفسد الاثنين معًا.
السودان اليوم: لحظة الحقيقة اليوم يتفكك الإسلام السياسي في السودان. قادته يتصارعون، والشعب لفظهم. الفرصة قائمة الآن لبناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم الدين ولا تتاجر به.
الإسلام في دولة التأسيس: دين بلا طبقية أو تهميش في دولة التأسيس التي نناضل من أجلها، لا مكان لطبقية أو تهميش أو استلاب أو استغلال باسم الدين. لا طبقية: المواطنة هي الأساس، لا تفاضل بين عربي وًكوشي ونوبي و زنجي، بين شمالي وشرقي وغربي، بين غني وفقير. لا تهميش: بموجب دستور التاسيس الانتقالي لعام ٢٠٢٥ كل الأقاليم متساوية في الحقوق والفرص، فلا مركز يبتلع الأطراف. لا استلاب: لا وصاية فكرية أو دينية، فالإيمان علاقة بين الإنسان وربه. لا استغلال: الدين قيمة أخلاقية ترشد الضمير، لا أداة سلطة أو ثراء. هذا هو الإسلام السمح الذي نريده: إسلام المجتمع، لا إسلام السلطة.
الخاتمة: الوطن للجميع لقد آن الأوان أن يترجّل الإسلام السياسي. آن أن يُخلى الدين لله، بعيدًا عن الساسة والمليشيات والوعاظ الكذبة. آن أن يكون الوطن للجميع: مدنيًا، عادلًا، ديمقراطيًا، يحفظ الحقوق ويصون الكرامة. آن أن نستعيد الإسلام السمح الذي عاشته مجتمعاتنا، ونبني سودانًا جديدًا يتسع لكل أبنائه.
د. أحمد التيجاني سيد أحمد قيادي موسس في تحالف تأسيس ٢١ سبتمبر ٢٠٢٥ – روما، إيطاليا.
📌 الموجز التنفيذي عنوان: آن الأوان أن يترجّل الإسلام السياسي، وأن يُخلى الدين لله، والوطن للجميع
يرى الكاتب د. أحمد التيجاني سيد أحمد أنّ تجربة الإسلام السياسي، في السودان والعالم الإسلامي، لم تنتج سوى القهر والدمار: - جرائم بشعة: اغتصاب، سبي، قمع النساء، وتكفير المخالفين. - فشل التجارب: من طالبان و الدواعش وبوكو حرام إلى الحركة الإسلامية السودانية التي دمّرت الدولة. - التلاعب بالدين: تحويله إلى أداة سلطة وثراء بدلًا من قيم العدالة والرحمة.
ويقابل ذلك نموذج الإسلام المجتمعي السمح، المتمثل في الطرق الصوفية والإيثار وحماية الضعيف، وتجارب ناجحة مثل ماليزيا حيث دعم الإسلام التعايش والتنمية.
في دولة التأسيس، الإسلام لن يكون وسيلة للتفاضل أو التهميش أو الاستغلال، بل قيمة أخلاقية تُصان بحرية المعتقد. الوطن سيكون للجميع: سلميا، مدنيًا، عادلًا، ديمقراطيًا، علمانيا ، لامركزيا .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة