سعياً وراء دسترة "تأسيس" بعد تشكيل الحكومة، يعتبر مجلس الوزراء الجهاز التنفيذي، أما المجلس الأعلى للإدارات المدنية لا يعدو عن كونه جسم موازٍ لمجلس الوزراء، غض التأسيسيون الطرف عنه، الازدواج الدستوري عواقبه أسوأ من الحرب، ولنا عبرة بتجربة الحكم التي أعقبت (الاستقلال)، كيف أن المجاملات الاجتماعية والحزبية أدت إلى انشقاق وتضعضع الحكومات، في العام الخاتم للألفية الثانية انشقت الحكومة الإسلامية وحزبها المؤتمر الوطني، على خلفية ما أطلق عليه ازدواجية مركز اتخاذ القرار، حيث وجود القصرين، قصر للحكم بحي المنشية مواز للقصر الجمهوري الواقع قبالة شارع النيل، يمارس فيه رئيس الحزب والبرلمان سلطات الحكومة التشريعية والتنفيذية في التعيين والعزل، بينما يقبع رئيس الجمهورية بقصر النيل يؤدي مراسم استقبال ووداع السفراء، علينا الخروج عن خط سير نظام الحكم القديم، وأن لا نرهق كاهل الدولة بالأجسام (الزائدة)، ما دام الدستور قد أبان وفصّل وأفصح عن الأجهزة الحكومية، وأول قرار يمكن ان يتخذ من المجلس الرئاسي والحكومة التنفيذية هو حل هذه الأجسام، التي تشكلت قبل التأسيس، أما وقد أدى القسم رئيس المجلس الرئاسي ونائبه ورئيس حكومته، أمسى من النافذ إحداث اختراق في تشكيل المؤسسات الجديدة بعد حل القديمة، وتقديم الشكر والعرفان للذين عملوا بها وبذلوا الجهد المشهود. للسلطة هيبة يعكسها سلوك رموزها الفاعلين، وأعداء التأسيس ببورتسودان في صراعهم السياسي ضد "تأسيس"، سيتنفسون الصعداء حين يلمسون خللاً دستورياً قد طال مؤسسات غريمهم، ورغم ارتكابهم لخطيئة الحرب إلّا أنهم استطاعوا أن يوظفوا مؤسسات الدولة لصالحهم، ففي وقت اندلاع الحرب استولوا على جميع كلمات السر والشفرات الحاجبة لأسرار الوزارات والدواوين الحيوية، واستغلوا قواعد البيانات التي هي ملك للشعب أبشع استغلال، السجل المدني وشركات الاتصالات والتعليم العالي والجامعات والمعاهد العليا، إذا لم تشرع حكومة "تأسيس" في فرض هيبة الحكم التنفيذي، ولو تركت الحبل على غاربه، سيمدد أبو حنيفة بورتسودان رجليه، ويمضي في توسعة مشروعه التعبوي الهادف إلى إفشال "تأسيس" سياسياً، هنا يحضرني تبرير "باقان" لفساد حكومة الجنوب بعد الاستقلال، حين عزا ذلك لشراكة الحكم بين الحركة الشعبية وحزب المؤتمر الوطني، أفسد حزب افريقي اختلس أموال الشعب والدولة، لا نريد للتأسيسيين أن يتبنوا هذا الزعم بعد حين، الزعم الذي برر به الأمين العام للحركة الشعبية موقفه من الفساد المالي والإداري لحكومة "سلفا"، خاصة وأن الوقت ما زال باكراً لأجهزة حكم "تأسيس" لاتخاذ القرار الذي ينجيها من حصار الشعب، لو طرقت الحديد وهو ساخن، إنّ لكل سلطة صولة، ولتكن صولة "تأسيس" ناجزة يذكرها التاريخ. لسنا بأفضل حال من السابقين لو لم نسلك طريقاً غير طريقهم، فما أهلكهم إلّا استحيائهم عن الحق ومجاملتهم في شأن الحكم، الذي قال فيه رب العباد مخاطباً نبيه يحي (يا يحي خذ الكتاب بقوة)، فليضع الرئيس ونائبه ورئيس حكومته والوزراء وحكام الأقاليم والولاة أنفسهم موضع النبي يحي، وليأخذوا القوة من كتاب دستور التأسيس، وليجعلوها قوة للحق لا باطل للقوة المستمدة من صلات القربى. الخروج من مأزق الازدواج الدستوري يكتمل بإنشاء الجمعية التأسيسية – برلمان "تأسيس"، وترفيع المؤهلين من مناصري القضية الحريصين على مصالح الناس، ليرفدوا المشروع التأسيسي بفكرهم الثاقب وحماسهم التوعوي المتقد، لتكون هذه البرلمانات الشعبية مجالس للحل والعقد والجودية، ترتق النسيج المجتمعي الذي مزقته الأجهزة الأمنية السرطانية للدولة القديمة، إذ ما يزال ينقص القافلة هذا البرلمان الشعبي المحاسب والمراقب للحكومة، التي لا ينصلح حالها إلّا بوجود جهاز التشريع المعالج للإشكاليات الدستورية، التي على شاكلة استمرار وجود المجلس الأعلى للإدارات المدنية، الناشط كجسم مواز لمجلس الوزراء الذي هو الآخر يصدر القرارات، لكن ليس من بينها قرار حل الإدارة المدنية وتكليف رؤسائها بحكم الولايات والأقاليم، إلى حين اختيار ولاة الولايات الجدد، القرار المنتظر والمرتقب الذي سيضع الحصان أمام العربة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة