من يتخيل التشابه بين خطاب الحزب الشيوعي والإسلاميين ظهر فقط بعد سقوط حمدوك فهو واهم ، الحقيقة أن هذا التحالف الغير معلن بدأ منذ اللحظة الأولى التي جلس فيها الرجل على كرسي رئاسة الوزراء ، نلاحظ ذلك منذ البداية حيث اصطف الشيوعي والإسلامي في خندق واحد لإجهاض التجربة . أعداء الأمس صاروا رفقاء اللحظة ، الأول يتهم حمدوك بالعمالة للغرب ، والثاني يتهمه بمحاربة الدين ، لكن الهدف كان واحدا هو إسقاطه وإفشال أي مسار ديمقراطي .
في ديسمبر 2018 كان الشيوعيون في الشوارع يهتفون ضد الإسلاميين ، رافعين راية القطيعة التامة معهم ، لكن ما إن تشكلت حكومة حمدوك حتى بدأ الخطاب الأحمر يتلون بلون أخضر قاتم ( حكومة هبوط ناعم ) ، ( حكومة عميلة ) ، ( حكومة بلا سيادة ) . هل تبدو هذا مألوفة ؟ نعم ، إنها نفس العبارات التي صدحت بها حناجر الإسلاميين من فوق منابرهم . العدو الفكري صار صديق الخطاب السياسي .
ثم جاءت دار الحزب الشيوعي في أم درمان لتكون جسر التحالف الجديد ، فالمهزلة لم تتوقف عند مهاجمة حمدوك فقط . الحزب الشيوعي رفع مطلبًا ( شرعيًا ) باسترداد داره المحتلة في أم درمان ، لتتحول القضية من شأن داخلي إلى معركة تبناها الإسلاميون وكأنها قضيتهم الأولى . ليخرج قائد كتيبة البراؤون (المصباح) معلنًا دعمه للشيوعي : ( الدار لك ) ، و( الرصاص لنا ) . يا للسخرية ! شيوعي يستنجد بالاصولي ، والإسلامي يأمّن الدعاء خلفه ، قولوا آمين .
وسناء حمد أضافت لمسة ( رومانسية ) على مشهد العرس . فقد كتبت القيادية الإسلامية مقالًا بعنوان ( لأجل الوطن ) حيث اعتبرت فيه عودة الأحزاب للعاصمة ( دليل عافية ) . كلماتها لم تكن بريئة ، كانت إشارة ضمنية لرغبة الإسلاميين في فتح الباب لتحالف رسمي مع الشيوعيين . فالعداء الأيديولوجي يمكن تعليقه حين تحضر المصالح المشتركة .
هكذا صار التناقض مهزلة حقيقية ، من يرفع شعار ( يا عمال العالم اتحدوا ) يقف اليوم جنبًا إلى جنب مع من يهتف ( هي لله ) . كلاهما يبدوان كفرسي رهان في سوق السلطة , أحدهما يلبس عباءة الدين ، والآخر يرفع راية الماركسية ، لكنهما يلتقيان عند نقطة واحدة هي البقاء في المشهد واقتسام الغنيمة .
ولو رسمنا خريطة المواقف لوجدنا أن الشيوعي كان في 2018 – 2019 رأس حربة ضد الإسلاميين . ثم في 2019 – 2021 رفض الشراكة مع العسكريين وهاجم حمدوك أكثر مما هاجمه بقايا النظام المنحل . وبعد انقلاب 25 أكتوبر بدأ خطابه يتماهى مع الإسلاميين في تحميل حمدوك و( قحت ) مسؤولية الفشل . واليوم يتحالف في الميدان مع كتائب الإسلاميين حول قضية ( دار الحزب الشيوعي ) ويتقاطع معهم في رفض التدخل الدولي ومعاداة القوى المدنية الجديدة . هكذا انتقل من موقع ( العدو الفكري ) إلى ( شريك الخطاب السياسي ) ، ومن موقع ( القوة الثورية ) إلى ( المتعايش مع الكتائب ) .
أما سيناريوهات المستقبل فهي أشبه بزواج متعة سياسي . فقد نرى تحالفًا انتخابيًا مقنّعًا يضم الأحمر والأخضر تحت شعار : ( ضد الغرب وضد الديمقراطية ) . وربما نرى تنسيقًا أمنيا سريا ، حيث يحرس البراؤون دار الحزب الشيوعي ( الكافرة كما في أقوالهم زمان ) بينما يمنحه الأخير غطاءا سياسيا . ولا مانع من تقاسم المغانم الاقتصادية عبر شركات وقنوات إعلامية تُدار باسم الوطن . أما المعارضة في العلن فستبقى ديكورا لتبادل الشتائم أمام الجماهير بينما التفاهمات تُحاك في الكواليس .
الرسالة للجماهير واضحة : لا تنخدعوا . هذا ليس تحالفًا وطنيًا ولا عودة صحية للأحزاب ، بل زواج مصلحة قصير الأجل على جثمان الثورة والوطن . اليوم يصلّي الشيوعي والإسلامي جماعة ، الأول إمام والثاني مأموم ، لكن الصلاة تُقام على جسد السودان . والغضب والسخرية هما الرد الوحيد : فضح هذا التواطؤ وكشف هذه الكوميديا السوداء التي تحاول إعادة تدوير الفشل . فلتسقط كل الشعارات الكاذبة ، ولينكشف العار : حين يتوحد الماركسي والإسلامي ، فاعلم أن المصالح أكبر من العقائد .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة