كتب كبير صحافيي الكيزان أحمد البلال الطيب تعليقًا مطوّلًا على لقاء مراسل الجزيرة محمد طه توكل – وهو إثيوبي الجنسية من أصول إريترية – مع مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون الأفريقية. وفيما بدا ظاهرًا أنه تحليل إعلامي، حمل النص بين سطوره محاولة لإعادة إنتاج الخطاب الكيزاني: التشكيك في بيان الرباعية، والتقليل من جدواه، والحديث عن استحالة تطبيقه في المدى الزمني المحدد. لكن قراءة دقيقة لإجابات بولس، وللواقع السياسي والعسكري في السودان، تضع الأمور في سياق مغاير تمامًا.
## أولًا: طبيعة الحرب المفارقة الكبرى التي غابت عن البلال أنّ الحرب لم تعد صراعًا ثنائيًا بين "الجيش" و"الدعم السريع". لقد تحولت بصورة حاسمة إلى حرب بين سلطة التأسيس والحركات المسلحة غير المؤدلجة من جهة، وبين فلول المؤتمر الوطني المحلول وجيشه المودلج ومليشياته الباطشة من جهة أخرى.
هذا التحول هو جوهر **اللحظة السياسية**: لم يعد ممكنًا إعادة إنتاج "جيش الكيزان" كمرجعية للسلطة. المعركة صارت معركة مصير: إمّا بناء دولة المواطنة، أو السقوط النهائي لمشروع الحركة الإسلامية.
## ثانيًا: خطاب بولس حول الحرب حين سُئل مسعد بولس عن السودان، لم يقدّم وعودًا أو خططًا خفية لإعادة الإسلاميين. بل كان واضحًا في جوهر رسالته: - الحرب خلّفت ملايين النازحين ومئات الآلاف من القتلى و الجرحي و تهدد بمجاعةً و تهديد لامن المنطقة. - الأولوية الآن هي إيقافها عبر أطر تنفيذية يجري العمل عليها، مع إشراك الاتحاد الأفريقي.
لم يكن هدف بولس إرضاء إعلام الكيزان ولا كشف تفاصيل سرية، وإنما إرسال إشارة مزدوجة: واشنطن ترى في الحرب خطرًا إنسانيًا وإقليميًا يجب احتواؤه، وتدرك في الوقت نفسه أن أي تسوية لن تمرّ عبر إعادة تدوير الجيش المؤدلج.
## ثالثًا: سد النهضة والحديقة الخلفية محاولة البلال تصوير الحوار وكأنه "قفز" إلى ملف سد النهضة، ليست سوى تضليل آخر. فالإجابة الأمريكية لم تكن قفزًا بل اعترافًا بالأمر الواقع: السد قائم، ومياه النيل صارت ورقة استثمار وتوازنات إقليمية، لا مجال فيها لحلول مثالية ترضي مصر وحدها.
القاهرة تراهن على دعم البرهان وحربه مقابل حماية حصتها في مياه النيل والاستمرار في استخدام السودان وموارده كحديقة خلفية لمصر. بل إن ما أُذيع عن اتفاق بين البرهان والسيسي بالتخلي عن حلايب وشلاتين يمثل أوضح صور الخيانة الوطنية: **عطية من لا يملك لمن لا يستحق**.
أما واشنطن، فهي تنظر إلى السد بمنطق **التوظيف الاستراتيجي** لا بمنطق **الصفقات المشبوهة**، وتدرك أن استمرار الحرب يهدد استقرار الإقليم أكثر مما يضمن مصالح مصر.
## خاتمة بينما يتلهى كبير صحافيي الكيزان أحمد البلال الطيب في سرد ما لم يُسأل أو يُقال في لقاء الجزيرة، تتضح الحقائق التالية: - الحرب لم تعد جيشًا ضد مليشيا، بل صراع بين سلطة التأسيس والحركات غير المؤدلجة من جهة، وفلول نظام ساقط من جهة أخرى. - بولس تحدّث بوضوح عن وقف الحرب كأولوية إنسانية، لا كبوابة لإعادة الكيزان. - ملف سد النهضة يُدار باعتباره واقعًا استراتيجياً لا رجعة عنه، فيما يفرّط البرهان في الأرض والسيادة لإرضاء السيسي.
الخلاصة: بيان الرباعية، مهما كانت تعقيداته، ليس طريقًا لإعادة المؤتمر الوطني إلى السلطة، بل بداية لمرحلة جديدة يفرضها الواقع: لا مكان للجيش المؤدلج، ولا عودة للمؤتمر الوطني، ولا تنازل عن أرض السودان.
### كلمة أخيرة لقد أثبت تاريخ الحركة الإسلامية منذ نشأتها أنها لا تؤمن إلا بمبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، وأن مشروعها لم يكن سوى وهم استمر لعقود. واليوم، ومع تفككها وصراعها الداخلي، تلوح الفرصة سانحة للقضاء التام على هذا المشروع الشرير، حتى يتمكّن السودان المكلوم من أن يبدأ مساره الوطني الإنساني المتحضر.
د. أحمد التيجاني سيد أحمد قيادي مؤسس في تحالف تأسيس التاريخ: ٢٠ سبتمبر ٢٠٢٥ – روما، إيطاليا
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة