ما كنت أنوي الكتابة اليوم، إذ رغبت في التوقف عنها لفترة لاعتباراتٍ عديدة، لكن الموضوع الذي شغل الناس يوم أمس لدي حوله رأي أحببت أن أشارككم به. ضجت الأسافير - كما تعلمون - بخبر بيان (هزيل)، ورغم أنه يشبه وزير إعلام البرهان، لكنني أشك في أن يكون الوزير أو وزارته من صاغه، فهو من نوعية تلك البيانات التي تصلهم من سادتهم ليقوموا بنشرها بلا نقاش.
المقصود بالطبع هو بيان إيقاف وسحب ترخيص مديرة مكتب قناة الحدث بالسودان، الإعلامية لينا يعقوب، بسبب تقرير حول مكان إقامة (الساقط) البشير حالياً.
وأجدني أتفق - جزئياً - مع بعض الزملاء المحترمين الذين رأوا في البيان الهزيل انتهاكاً للحريات الصحفية وعواراً في الفكرة، إذ أن الطبيعي والمفهوم في مثل هذه الحالات هو أن توجه قرارات وزارة الإعلام للقناة نفسها لا إلى أحد منتسبيها. لكن، و منذ متى رأينا هؤلاء الجبناء يجرؤون على الطعن في الفيل بدلاً من ظله، حتى نستغرب فعلهم؟ لا خلاف حول ضرورة الدفاع عن الحريات الصحفية وخطورة قمعها، لكن يبقى السؤال: منذ متى احترم هؤلاء القتلة الحريات الصحفية؟ هل سمحوا في يوم لأي صوت حق أن يعلو؟ وهل فتحوا للشرفاء منابرهم التي خصصوها إلا لأرزقية الإعلام وضعاف النفوس منذ عشرات السنين؟ إذن فالقمع ليس جديداً علينا حتى يثيرنا قرار إيقاف مديرة مكتب قناة الحدث بهذا الشكل. فقد سبق أن مُنع العديد من الإعلاميين المحترمين - وشبونة نموذج بارز – من الكتابة في أي صحيفة وضايقوهم حتى انقطعت عنهم سبل للعيش، فماذا فعلنا وقتذاك؟ وهل أعادت حكومة الثورة خلال فترتها القصيرة لبعض شرفاء الإعلام حقوقهم الأدبية على الأقل، أو قربتهم منها ومنحتهم ما يستحقونه من اعتبار؟
بالطبع لم يحدث ذلك، بل علي العكس، استمر تهميش الشرفاء، وظلت السيطرة لكتبة وإعلاميي الكيزان وكل من يخدمون خطهم -.ولينا يعقوب ليست استثناءً
وبفلاش باك بسيط، أذكر خلال أيام الثورة ومع بداية اعتصام القيادة احتج البعض في أحد القروبات الثورية على عدم اهتمام القنوات العربية بثورتنا. كتبت وقتها مقالاً مضمونه أن في تجاهل تلك القنوات لثورة الشباب خيراً كثيراً، فقد أوصل الثوار صوتهم دون دعم منها وأضفت أن دخول تلك القنوات على خط الثورة سيجلب لها من الشرور ما لا يحصى، وظني أن ذلك ما حدث بالفعل.
أخلص من ذلك إلى أن الكيزان كلما (انعصروا) في أمر ما، حاولوا التنفيس عبر إشغالنا بقضية تبعدنا عن لُب الكارثة لبعض الوقت. وليس بعيداً عن ذلك، ظلت لينا وقناتها تمارسان الدور نفسه، وكأنهما يقدمان خدمة غير معلنة لخط (المقاطيع) وتوجهاتهم الخبيثة. فالتقرير نفسه، ومكان تواجد البشير حالياً، لا أظنهما يغيران شيئاً. فمنذ أيام حكومة الثورة كانت هناك شكوك تحوم حول مكان إقامته، وكثيراً ما طالبت عبر هذه الزاوية بأن يزوره المعنيون بمكانه المزعوم، وأن يُسمح بالتصوير حسماً للجدل وتطميناً للثوار، لكن ذلك لم يحدث بالطبع، وتركوا الناس يهدرون وقتهم في نقاشات لا تفضي إلى أي نتائج. والآن أيضاً، لا أظن أنه سيفرق كثيراً معنا ما إذا (الساقط) يقبع في زنزانة ضيقة لا تتجاوز أربعة أمتار، أم في قصر منيف، طالما أن قادة تنظيم (المقاطيع) هم من يتحكمون في القرار، ويصرون على استمرار حربهم العبثية مع جنجويدهم الذين صنعوهم خصيصاً لمثل هذا اليوم.
كل الذي سيحدث أن لينا ستخرج من هذه الأزمة (المفتعلة) في صورة بطلة وأيقونة للإعلام الحر، وهي ذاتها الشخصية التي سبق أن طردها الثوار في يوم من الأيام. وهنا تكمن المفارقة العجيبة.. ولهذا كان لابد من التذكير لأن ذاكرتنا كثيراً ما تخوننا. والشيء الأكثر إيلاماً هو أن بعضنا يرفع شعارات الدفاع عن حرية الإعلام عندما يتعلق الأمر بشخصية إعلامية بارزة، ولو كانت تخدم الخط المعادي للشعب وثورته، بينما يغفلون أعينهم تماماً عن من يشاركهم ذات الموقف المناهض للظلم والطغيان. هذا النفاق، الذي تمارسه للأسف، بعض المواقع والصحف المعارضة للكيزان وحكمهم، ليس كلاماً مرسلاً مني، بل أكدته لي التجارب أكثر من مرة، وقد علمتني هذا التجارب أن المواقف تُقاس بصدقها، لا بشهرتها. فلنكن صادقين، بدل أن نتصنع العدل حين يروق لنا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة