كلما قرأت او استمعت الى مداخلات ابواق الفلول وداعميهم يتأكد لي حجم الخراب الثقافي والسياسي والاخلاقي الذي اصاب المجتمع السوداني بفعل سنوات حكم نظام الانقاذ المجرم. لم يكن الخراب مجرد فساد مالي او قمع سياسي بل كان تدميرا ممنهجا للضمير الجمعي وتشويها متعمدا للقيم وتزويرا للوعي. تزواج الاستبداد والفساد والظلم في عهد الانقاذ بلغ درجة خطيرة جعلت الانسان مسلوب الارادة يدافع عن الباطل وكأنه الحق ويكذب وهو يظن انه يحسن صنعا. وان وجد من الواقع ما يدحض حجته لجأ الى الاكاذيب والتضليل والنفاق لان الحقيقة بالنسبة له ليست قيمة بل تهديدا لامتيازاته الوهمية. ابواق الفلول وداعميهم الاقزام صدعوا رؤوسنا بكذبة موت حميدتي حتى وصفوه بالبعاتي والإنسان الآلي نتاج الذكاء الإصطناعي. هذا ليس جدلا سياسيا بل إنهيار أخلاقي كامل. تنظيم الإخوان المسلمين لا يعمل بمنطق الدين بل بمنطق التمكين. يرفعون شعار الاسلام بينما يمارسون كل ما يناقضه من كذب وتضليل وتكفير وتخوين. يكذبون باسم الشريعة ويخدعون باسم العقيدة ويبررون القتل والنهب باسم الجهاد. حتى حين يهزمون لا يعترفون بل يقولون مؤامرة كونية وحين يفضح فسادهم يقولون ابتلاء وحين ينكشف نفاقهم يقولون حرب قيم. هل نشر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الاسلام بالاكاذيب هل كذب على قومه هل بنى دولته على التضليل هل كفر خصومه ام حاورهم هل سرق باسم الدين ام اقام العدل. انهم لا يشبهونه في شيء بل يشبهون ابا جهل حين لبس عباءة الورع ليمنع دعوة الحق. صحيح الولف كتال. من اعتادوا على العيش في الكذب والدجل والنفاق يصعب عليهم ان يفهموا قيمة الصدق والشفافية والنزاهة ونكران الذات لانهم نشأوا وتربوا في بيئة منغلقة لا تعرف سوى تمجيد الذات حتى اصبحت ذاتا بائسة ومنحطة لا ترى في الوطن الا وسيلة للنهب ولا في الدين الا غطاء للقتل ولا في الشعب الا قطيعا يساق بالفتاوى والتهديد. لكن لا قيمة للقبول بالعيش في بيئة منغلقة تقصي النقد وتجرم الرأي الآخر. المجتمعات التي تدار بالخوف وتحكم بالاستبداد لا تزدهر بل تتآكل من الداخل. اما المجتمعات التي تتبنى الانفتاح وتشجع الحوار وتعلي من قيمة التنوع الفكري فهي التي تنتج المعرفة وتعزز مكانة الدولة بين الامم. الولايات المتحدة الامريكية مثال حي على ذلك. مهما مرت بعثرات او فترات من الهنأة الزائفة فإنها كدولة مؤسسات ديناميكية قادرة على تجاوز عثراتها لانها لا تدار بالولاء بل بالكفاءة ولا تحكم بالخوف بل بالمواطنة. لم تصبح امريكا دولة متقدمة تقود العالم بسبب قوتها العسكرية فحسب بل لانها تحررت من اعباء ثقافات الماضي التي ما زالت تكبل اوروبا حتى اليوم. بنت نهضتها على اساس الانفتاح وعلى نظام ديمقراطي يتيح لكل فرد ان يشارك في صياغة المستقبل بغض النظر عن اصله او خلفيته. كما قال الرئيس رونالد ريغان عظمة امريكا انها الدولة الوحيدة التي تجعل من يأتي ليعيش فيها امريكيا منذ ان تطأ قدماه ارضها. هذه ليست مجرد عبارة بل فلسفة دولة. امريكا لم تغلق ابوابها امام الطامحين بل جعلت من التنوع مصدرا للقوة ومن النقد وسيلة للتطوير ومن حرية التعبير حجر اساس في بنيانها السياسي والثقافي. لذلك اقول واكرر القول السودان لن يتطور ولن يتقدم في بيئة منغلقة يحكمها الاستبداد والفساد والظلم. السودان يتطور حين يفتح الفضاء امام الحرية والعلم والثقافة حين يحترم الرأي الآخر ويحمي النقد وتبنى المؤسسات على اساس الشفافية والمساءلة. السودان الجديد لا يبنى على الخوف بل على الامان ولا يدار بالوصاية بل بالمواطنة ولا ينهض بالاكاذيب بل بالوعي والنقد الهادف.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة