بيان الرباعية يمثل مبادرة طموحة لكنها تستند إلى أرض رخوة . فقد وحّد بين واشنطن والرياض وأبوظبي والقاهرة في توافق نادر بين قوى متناقضة ، ما وفر غطاءً سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا يصعب تجاوزه . كما حمل لمسة إنسانية بطرحه هدنة أولية تعترف بأن الأزمة السودانية تجاوزت صراع السلطة لتصبح كارثة تهدد حياة الملايين . وأعطى البيان أملًا بانتقال مدني محدد المدى خلال تسعة أشهر ، منهياً فكرة المراحل الانتقالية المفتوحة التي استنزفت البلاد . وأوضح موقفه من الإسلام السياسي باستبعاد الجماعات المرتبطة بالإخوان ، منسجمًا مع المزاج الإقليمي الرافض لارتباط هذه التيارات بالفوضى . وربط أيضًا بين وقف الحرب والالتزام بالقانون الإنساني الدولي ، مانحًا المبادرة بعدًا أخلاقيًا يصعب الطعن فيه علنًا .
لكن هذه القوة تقابلها نقاط ضعف جوهرية . فالمبادرة لم تقدّم آليات إلزامية تضمن التنفيذ ولا خطة رقابة أو عقوبات تردع المعرقلين ، مما يجعل أي هدنة مهددة بالانهيار السريع . واستبعاد الإسلاميين رغم مبرراته قد يزرع ألغامًا سياسية ويغذي شعورًا بالإقصاء ، فيدفع بعضهم نحو التمرد أو العمل في الظل . كما أن الطموح بانتقال شامل خلال تسعة أشهر يبدو أقرب إلى الوهم في ظل انهيار مؤسسات الدولة وفقدان الثقة وتفتت السلطة . يضاف إلى ذلك تضارب مصالح الدول الراعية نفسها ، فلكل منها حساباته الخاصة التي قد تجعل المبادرة رهينة توازنات إقليمية أكثر من كونها تعبيرًا عن مصلحة السودان . أما داخليًا ، فالفجوة بين الحكومة التي ترفض مساواتها بالدعم السريع ، وبين الأخير الذي يطالب بالاعتراف به كند مساوٍ ، قد تنسف المبادرة من بدايتها .
مستقبل هذه الخطوة مرهون بعدة سيناريوهات . قد تحقق نجاحًا جزئيًا عبر هدنة إنسانية مؤقتة وفتح ممرات إغاثية ، لكن من دون ضمان وقف نار دائم . وقد تلحق بمصير اتفاقات جدة وأديس أبابا إذا عجزت عن فرض التزامات واضحة . وربما تتحول إلى منصة تفاوض أوسع إذا توسعت لتشمل قوى مدنية حقيقية بدل الاكتفاء بواجهات سياسية محدودة .
أما على مستوى الأزمة السودانية ، فإن استمرار الحرب مع هدن متقطعة لن يؤدي إلا إلى تعميق الكارثة الإنسانية . وغياب توافق داخلي سيجعل أي مبادرة خارجية رهينة لمن يملك السلاح على الأرض . كما أن تعدد الوسطاء بين إيقاد والاتحاد الأفريقي والرباعية يزيد من تشتت المسارات ويستنزف القوى المدنية . وكل يوم يمر بلا تسوية يوسع الفجوة بين دولة يمكن إنقاذها وأرض تتفتت بلا مركز .
في النهاية ، يظل بيان الرباعية خطوة جريئة لكنه هشّ في جوهره . قوته في توافق رعاته الكبار ، وضعفه في غياب أدوات التنفيذ . ومصيره لا يتوقف على نوايا الرباعية وحدها ، وإنما على قدرة السودانيين أنفسهم في تحويل هذه النافذة إلى مشروع وطني حقيقي . وإلا فلن يكون أكثر من وثيقة أخرى تضاف إلى أرشيف الفشل الدولي في السودان .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة