بين مطرقة الحرب وسندان الغربة، يعيش المواطن السوداني واحدة من أعقد فترات تاريخه الحديث. ففي الداخل، تتفاقم المأساة الإنسانية نتيجة النزاع المسلح الذي شرد الملايين، وقطع أوصال المدن، وحوّل حياة الناس إلى رحلة يومية بين البحث عن الأمان والخبز والدواء. أما في الخارج، حيث يفترض أن يجد السوداني متنفساً ودعماً من بعثات بلاده الدبلوماسية، يصطدم بواقع آخر لا يقل مرارة: إجراءات معقدة، تعامل متعالٍ، ورسوم باهظة تثقل كاهله.
في مدن مثل الخرطوم ونيالا والفاشر، أصبح المدنيون رهائن الخوف المستمر. انقطاع الخدمات الأساسية، انهيار النظام الصحي، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، كلها عوامل جعلت حياة المواطن أقرب إلى "البقاء للأقوى". آلاف الأسر تعيش في العراء داخل البلاد، فيما فرّ آخرون عبر الحدود بحثاً عن ملاذ آمن.
لكنّ السوداني الذي يعبر الحدود أملاً في حياة كريمة يواجه صدمات جديدة. عند أبواب السفارات السودانية في القاهرة، الرياض، أنقرة وغيرها، تقابله الصفوف الطويلة، والإجراءات البيروقراطية المرهقة، فضلاً عن تعامل يوصف في كثير من الشهادات بأنه "مستفز وغير إنساني". بدلاً من أن تكون السفارة بيت الوطن الحامي، تحولت في نظر كثيرين إلى عبء إضافي يزيد معاناتهم.
تساؤلات مشروعة
لماذا يظل المواطن السوداني عالقاً بين حرب لا ترحم ونظام دبلوماسي لا يراعي حجم أزمته؟
أليس من واجب البعثات الدبلوماسية أن تيسر شؤون مواطنيها لا أن تعقدها؟
وكيف يمكن لدولة تبحث عن شرعية في الخارج أن تخسر ثقة مواطنيها في الداخل والخارج معاً؟
المواطن السوداني اليوم ضحية مزدوجة: في الداخل تقتله الحرب، وفي الخارج ترهقه معاملة سفارات بلاده. وبين هذين المأزقين، تتآكل آماله في وطن يحنو عليه. المطلوب إصلاح جذري يبدأ بوقف الحرب، ويمر بإعادة تعريف دور البعثات الدبلوماسية لتكون في خدمة الإنسان السوداني، لا عبئاً إضافياً على غربته.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة