في ظلِّ تصاعدِ الضغوطِ الاقتصاديَّةِ الَّتي تُثقلُ كاهلَ المواطنِ السُّودانيِّ، طفت إلى السَّطحِ موجةُ استياءٍ جديدةٍ، إثرَ تداولِ منشورٍ منسوبٍ إلى محليَّةِ شرقِ الجزيرة، يكشفُ عن فرضِ ما أُطلق عليه "رسوم مغادرة" بقيمة (٣٥٠٠) جنيهٍ سودانيّ، تُطبَّقُ على حركةِ الانتقالِ بين القُرى والمُدنِ داخل ولايةِ الجزيرة. المُثيرُ في الأمرِ، أنَّ المنشورَ أشارَ إلى أنَّ تحصيلَ هذه الرُّسومِ تمَّ تفويضُه لمُتعهدٍ خاصٍّ عبرَ عطاءٍ رسميٍّ، ما اعتبره كثيرونَ خطوةً بالغةَ الخطورةِ، تُنذرُ بمزيدٍ من الخصخصةِ المُنفلتةِ، وتُكرّسُ لتحويلِ الخدماتِ العامَّةِ إلى مواردَ لجيوبِ الأفرادِ، لا لخزينةِ الدولة. وسطَ هذه الضجَّةِ الشعبيَّةِ، برزَ اسمُ "إدريس" بوصفِه الجابيَ الرَّسميَّ في حكومةِ الارتكازاتِ والشفشفة، يُنفِّذُ بالأمرِ، ويُطبِّقُ منشوراتِ "جبرين"، الَّذي أصبحَ جزيرةً مُنعزلةً في لا دولةِ الانقلاب. الواقعُ أنّ حكومةَ الأمرِ الواقعِ تواصلُ فرضَ الأعباءِ الماليَّةِ على المواطنينَ بلا اعتبارٍ للظروفِ القاسيةِ الَّتي يمرُّ بها النَّاسُ. فبدلاً من ابتكارِ حلولٍ تُخفِّفُ عنهم، تلجأُ إلى مدِّ يدِها في جيوبِهم، حتَّى على حركةِ تنقُّلِهم داخل ولاياتِهم، مُتذرِّعةً بذرائعَ واهيةٍ، كتمويلِ الخدماتِ أو تنظيمِ التَّحرُّكات، بينما الحقيقةُ الواضحةُ أنَّ المواطنَ هو الحَلْبَةُ الوحيدةُ في هذا الصِّراعِ العبثيِّ. إنّ فرضَ "رسومِ مغادرةٍ" على المواطنِ في وطنِه ليس إلَّا دليلًا إضافيًّا على انحرافِ بوصلةِ الحُكمِ، وضياعِ مفهومِ الدولةِ كمؤسسةٍ راعيةٍ، لا ككيانٍ جابٍ. فهل بقيَ للحلالِ مكانٌ بينَ براثنِ الشَّفشفة؟ أم أنَّ ما نراهُ اليومَ ما هو إلَّا ترسيخٌ لاقتصادِ الجباياتِ في ظلِّ حكومةٍ تسيرُ على مناشيرِ جبرين، لا على دستورٍ ولا قانون؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة