السودان: جرح الوطن المفتوح بين بندقية الشرعية وأحلام الشارع كتبه محمد بدوي مصطفى

الأسلحة الكيميائية وحقيقة استخدامها في السودان في منتدى ميديكس للحوار
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 09-15-2025, 07:55 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-14-2025, 02:34 PM

محمد بدوي مصطفى
<aمحمد بدوي مصطفى
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 266

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السودان: جرح الوطن المفتوح بين بندقية الشرعية وأحلام الشارع كتبه محمد بدوي مصطفى

    02:34 PM September, 14 2025

    سودانيز اون لاين
    محمد بدوي مصطفى -Germany
    مكتبتى
    رابط مختصر





    محمد بدوي مصطفى

    (أديب وأستاذ جامعي سوداني مقيم بألمانيا)



    يا سادتي الكرام ويا أهل السودان، منذ أن اندلع الصراع المشؤوم بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، انفتح جرح السودان على مصراعيه، في داخل القلوب وبأمهات النفوس، محزن كل هذا لبلد كان يومًا ما عملاق أفريقيا المهاب. محزن أيضًا أن تتحول تلك الدرّة النادرة، عاصمتنا التي نحبها، الخرطوم، ملتقى النيلين، توتي والمعدية، قصر الشباب وقاعة الصداقة، القصر الجمهوري، من مدينة هائمة حالمة تحت "قمر الليل بوبا" لتتحوّل بعدما "حدث ما حدث" إلى فضاء أعشى يغشاه دخان البنادق وصدى المدافع لتسكنه ال############ان، بينما امتدت النار إلى دارفور وكردفان والجزيرة، حتى صار الوطن كله لوحة مأساوية من نزوح وجوع وموت، يصفها العالم الغائب عن آلامنا، وبدون أدنى شك، بأنها واحدة من أعظم الكوارث الإنسانية في عصرنا.

    توالت المبادرات الإقليمية والدولية الواحدة تلو الأخرى، فضلًا عن أنّ المبادرة الأخيرة التي حملت توقيع واشنطن والرياض وأبو ظبي والقاهرة لم تختلف عن سابقاتها البتّة (لتٌ وعجنٌ وسرابات بقيعة). الاقتراح المقدم من الباهوات (القابعين تحت تراطيب الكوندشن) يتمخض في كلمة "هدنة" وأن تمتد هذه الأخيرة – إن شاء الله - ثلاثة أشهر، تتبعها "مرحلة انتقالية" (وكم من مرّة سمعنا هذه الكلمة ولم "نَعبُر" متحمدكين) نحو حكم مدني شامل بعيد المنال بعد الثريا عن الأرض لكن لله في سودانه شؤون.

    غير أن حكومة الخرطوم أوصدت الباب سريعاً كما هي عادة حامليّ البندقة، مؤكدة "وواقفة عِجل لَبن" أن أي مسار سياسي لا بد أن يمر عبر «المؤسسات الشرعية» التي يسيطر عليها الجيش(شرعية وجيش وديموقراطية ... كلمات متنافرة لا جناس فيها). وهنا، يا سادتي الكرام، يبرز السؤال الجوهري: أي شرعية يمكن أن يُبنى عليها سودان جديد؟ هل هي شرعية البندقية التي تحكم بالأرض والنار مذ أن رأى البلد الوليد استقلاله في ١٩٥٦؟ أم شرعية الشارع الذي حلم بالحرية والسلام والعدالة في 2019؟ أم شرعية الخارج الذي يرسم خطوط الدولة وفق مصالحه؟ نتحدث عن شرعيات، هُدن، مراحل انتقالية، حكومات وفاق. بالله عليكم يا سادتي، أكُتِبت على هذا البلد اللعنة إلى يوم الدين؟؟!!

    في رأيي الشخصي إن جذور الأزمة هي أعمق من هدنة مؤقتة. فمنذ الاستقلال في عام ١٩٥٦ - كما سلف ذكره - ظل الجيش الحارس والفاعل الأساسي، الآمر والناهي - كالنمرود، يبني كما يحلو له دولة عميقة بامتدادات اقتصادية وإدارية، بينما بقيت الأطراف الأخرى خارج نطاق المركز لم يتثنَ لها في أي يوم من الأيّام أن "تَعبر" على حد المصطلح الحمدوكيّ. بيد أنّه وعندما هب السودانيون في 2019 بثورة عصماء لم يشهد لها تاريخ البلاد من مثيل، ظنوا أنهم سيفتحون صفحة جديدة، عهدا جديدا، مرحلة مليئة بالأمل، لكن للأسف ولخيبتهم الكبرى، ما كانت تلك الشراكة، إلا جمع واهن، وشراكة تعتبر بكل المقاييس زائفة أيّ كتلة هشة، جمعت بين المدنيين من أولئك المتسلقين وبين العسكريين الذي حلموا يومًا ما في قراهم النائية وفي صحن عشائرهم أنهم سيمتطون يوماً ما صولجان الحكم. على أيّة حال فإن ذاك البناء الواهن الذي أطلق عليه زيفًا "شراكة" انهار سريعاً ككروت الورق، لتعود المؤسسة العسكرية أدراجها متصدرة المشهد (حليمة رجعت لقديمها - متعودة دايما)، ومن الجهة الأخرى تسلق الدعم السريع سلالم الجاه ليصير قوة موازية ضاربة، ويأتي ليل أبريل النكسة 2023 ليمزق ما تبقى من الوشائج.

    واليوم يا سادتي ونحن في الشهر التاسع من عام ٢٠٢٥، يبقى اسم السودان ليس فقط يوحي بمجرد أزمة سياسية، بل الأخطر من ذلك، إنّه يعكس من بعيد أو قريب بناء وخرائط تتشقق رويدًا رويدًا: شرق وشمال ووسط بين قبضة الجيش، ودارفور ومعظم الجنوب أو تحت سيطرة الدعم السريع الذي أعلن حكومة موازية. وبين هذه الخرائط المتباينة والمتبعثرة تتبدد هياكل وأشباح ملايين السودانيين، أبناء الوطن المكلوم، يشحذون "كرامة في سبيل الله" في المخيمات وعلى طرق النزوح، وكأن الوطن كله معلق في الهواء، كما وصف الطيب صالح بلاده: "بلاد شاسعة كالحلم، تضيق بأهلها".

    إن العقوبات الأمريكية على وزير المالية جبريل إبراهيم وميليشيا «البراء بن مالك» لم تغيّر شيئاً يذكر. فاقتصاد الحرب –الذي يقوم على الذهب والتهريب والتحالفات الإقليمية– يمد الطرفين بكنوز قارون التي ينوء بحملها ذوي القوّة وبما يكفي للاستمرار المستدام حتى تُنحر أو تخرّ قوى كل نفس تائهة في أرض الله الواسعة، دون مأوى، دون وجيع، حبيسة الدموع وسجنية القهر والألم. وهنا نستحضر غرامشي حين قال: الأزمة في أن القديم يحتضر والجديد لم يولد بعد. وهذا هو السودان اليوم: قديم ينهار، وجديد يتعثر في ولادته.

    من جهة أخرى فإذا نظرنا إلى التاريخ، نجد مثالاً يوضح الطريق، يا سادتي: في تجربة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، لاحظت شخصياً، كنائب سابق في البرلمان بمدينة في جنوب ألمانيا، كيف أن إعادة بناء الدولة لم تكن مجرد اتفاقيات أو هيكلية، بل كانت تتطلب إرادة داخلية قوية، شرعية حقيقية ترتكز على مشاركة الشعب، العدالة الاجتماعية، وثقة المواطنين في مؤسسات جديدة تحمي الحقوق والحياة. في السودان اليوم، نرى شبيهاً لما حدث في ألمانيا: قوى مسلحة تتحكم بالمناطق، وخارج يحاول فرض حلول جاهزة، دون توافق شعبي حقيقي. الفرق أن الطريق في ألمانيا تيسّر جزئياً عبر مؤسسات قادرة على الاحتواء، بينما في السودان المؤسسات الوطنية لا تزال تتصارع على الشرعية والنفوذ، ما يجعل أي هدنة أو تسوية مؤقتة أشبه بمحاولة لصق شظايا على جرح مفتوح.

    أما السيناريوهات، يا سادتي، فهي كلّها مُرّة: حسم عسكري يطيل أمد المأساة، أو تسوية دولية تفتقر للشرعية الشعبية، أو تفكك كامل يقود السودان إلى مصير يشبه ليبيا أو الصومال، أو ربما، وهو الأمل الأصدق، عودة الشارع ليعيد صياغة الدولة ومعنى الوطن (حرية سلام وعدالة).

    وفي النهاية، يبقى السودان معلقاً بين حرب لا تنتهي وسلام لم يولد بعد، بين دولة تتفتت وأخرى تبحث عن ميلاد عسير. وكما قال نجيب محفوظ: آفة حارتنا النسيان. فهل يا سادتي، يستطيع السودان أن يتجاوز جراحه، ويولد وطناً يليق بدماء أبنائه وتضحياتهم، أم ستظل الجراح تكتب فصول تاريخه؟





    --
    Dr. Mohamed Badawi























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de