في 9 سبتمبر 2025، ارتفعت أنغام الفخر والاحتفالات في سماء إثيوبيا، معلنة رسميًا افتتاح سد النهضة الإثيوبي العظيم (GERD)، المشروع الذي بدأ العمل عليه قبل 14 عامًا، بتكلفة نحو 5 مليارات دولار، ومُمول بالكامل من الشعب الإثيوبي عبر السندات والتبرعات الشعبية. السد ليس مجرد بناء هندسي هائل، بل أكبر مصدر للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، بطاقة تصل إلى 5,150 ميغاواط، تغطي احتياجات أكثر من 135 مليون إثيوبي، مع إمكانية تصدير الفائض لدول الجوار. رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وصفه بأنه "إنجاز تاريخي لكل أفريقيا، ونعمة لمصر والسودان"، مؤكدًا أنه رمز للتنمية والتعاون الإقليمي. لكن خلف الألعاب النارية والاحتفالات، ثمة جدل دبلوماسي حاد، خاصة مع مصر، الدولة التي تعتمد على نهر النيل بنسبة 97% من احتياجاتها المائية. القاهرة اعتبرت الافتتاح خطوة أحادية الجانب، ورفضت الدعوة للاحتفال، مؤكدة أن "أمن المياه خط أحمر". وزارة الخارجية المصرية طالبت باتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد، خوفًا من تأثيره على حصتها السنوية من المياه، البالغة 55.5 مليار متر مكعب وفق اتفاقية 1959. فيما كشف الحدث عن اتفاق فني ثنائي بين السودان وإثيوبيا، يُعرف إعلاميًا بـ"اتفاق البرهان السري"، وقع في أكتوبر 2022 في الخرطوم بعيدًا عن الإعلام ومفاوضات القاهرة. الاتفاق يركز على الجوانب الفنية فقط: تبادل البيانات الشهرية واليومية عن مناسيب المياه، وضمان تصريف كميات ثابتة إلى السودان، لتفادي الفيضانات وحماية سد الروصيرص. لكنه لم يشمل مصر، ولم يكن ملزمًا قانونيًا بشأن الجفاف أو التعويضات، ما أثار موجة من التساؤلات في القاهرة عن شفافية الخرطوم ودورها في الأزمة. هذا الانتصار الإثيوبي، الذي غمر الإثيوبيين بالفخر والفرحة، كشف التوتر العميق في حوض النيل، حيث يسعى كل طرف لحماية مصالحه، وتبرز الحاجة إلى حوار ثلاثي ملزم يضمن المنفعة المشتركة ويحول دون تصعيد يهدد استقرار المنطقة. سد النهضة، إذن، ليس مجرد مشروع للطاقة، بل دراما دبلوماسية حيّة بين التاريخ والسياسة والموارد المائية، ويبدو أن فصولها لن تُكتب بسرعة، رغم أن الألعاب النارية في إثيوبيا أضاءت السماء، بينما نيران القلق تشتعل في القاهرة والخرطوم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة