صدقوني يا أهلنا السودانيين، ربما نكون أغرب شعوب العالم على الإطلاق، فبالرغم من كل المصائب التي نعيشها، وفقداننا للبشر والأرض والحجر نتعامل مع الأمور وكأننا نعيش وضعاً اعتيادياً.
والأعجب أننا نحتفي بإنجازات الآخرين، دون أن نستفيد من دروسها، لأننا – كالعادة - ننطلق من المنطلق الخاطئ.
نجحت إثيوبيا في تنفيذ مشروعها الضخم "سد النهضة"، بالرغم من الخلافات الحادة التي رافقته منذ بدئه. ومن حق الإثيوبيين أن يحتفلوا ويخرجوا إلى الشوارع ابتهاجاً بإنجازهم، لكن ما دخلنا نحن في الموضوع برمته؟
لو أكتفينا بتناقل الخبر كحدث كبير استحق الاهتمام لما قلنا شيئاً، لكننا تبادلناه بتباهٍ وكأنه انجازنا نحن، مع إن السد شُيد على أرض سودانية. وهنا تكمن المأساة ويظهر الاختلاف الكبير بيننا وبين جيرانا الإثيوبيين.
معظمنا ركزوا على المقارنة بين القيادتين، مشيرين إلى أن الإثيوبيين حققوا عدداً من الإنجازات لأن لديهم قيادة مُلهمة. وفي رأيي لا وجود لمثل هذه المقارنة، لأننا لا نملك قيادة أصلاً حتى نقارنها بأبي أحمد أو غيره من الزعماء.
لكن الأهم من ذلك هو أن أحداً منا لم يركز على فكرة أن أبا أحمد نفسه يستند إلى شعب يحب وطنه بلا مقابل. فقد زرت إثيوبيا مرات عديدة، قبل بدء نهضتهم هذه ومع انطلاقتها، ولاحظت كيف أن أكثر أفراد هذا الشعب فقراً وأشدهم معاناة في حياته اليومية متعلق بوطنه لدرجة تدعو للعجب.
أما نحن فالوطنية لدينا مجرد شعارات وأغانٍ حماسية، تتبخر عند أقرب محكٍ حقيقي. فالفنان بلا موقف وكل همه الكسب المادي، والأكاديمي يبيع موقفه من أجل المال، والإعلامي يلهث وراء الثراء، حتى ولو على أشلاء أبناء وطنه، وفي أفضل الأحوال يكون جُل همه توسيع دائرة قرائه أو مشاهديه، ولو استدعى الأمر محاورة من كانوا سبباً في كل الدمار الذي لحق بنا، والعسكري يبيع الأرض للآخرين، والمعلم يمكن أن يبجل طاغية متى ما أجبرته الظروف، والناشط يسعي لزيادة اللايكات بأي وسيلة، حتى ولو بتوظيف مفردات بذيئة، والفقير يسرق جاره تحت دعاوى سوء الحال. بالطبع، لا يعني هذا أن الجميع كذلك، لكن الغالبية صارت على هذا النحو، وهذا ما يجب الاعتراف به.
ولو أخذنا انفعالنا الشديد واحتفاءنا بإنجازات الآخرين كمثال، لتأكد لنا ضعف الحس الوطني في هذا السودان. وإلا فقولوا لي: هل لاحظتم يوماً أن المواقع ووسائل التواصل في بلدٍ ما مشغولة بحدث سوداني، كما نفعل نحن تجاه ما يخص غيرنا؟
فكيف بالله نريد أن نكون مثل إثيوبيا أو غيرها من البلدان الناشئة، ونحن الذين لم تدفعنا حتى الحرب والموت والدمار للانشغال بهمومنا وقضايانا الكبرى؟
هنيئاً للإثيوبيين بقيادتهم وإنجازاتهم كشعب وبنهضة بلدهم. ومن حق أي قيادة في أي بلد أن تسعى لتحقيق مصالح شعبها، طالما كان هذا الشعب منشغل بقضاياه الوطنية ومستعد للتضحية من أجلها.
أما نحن، فيُفترض أن نخجل من أنفسنا، إذ نقوم من حفرة لنسقط في أخرى أعمق منها دون أن يدفعنا ذلك نحو الفعل الجاد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة