تعتبر الحرب أعلى مراحل الأزمة السياسية في البلاد، و تؤكد فشل العقل السياسي في إدارة الأزمة بالصورة التي كان من المفترض أن تضمن توفير مساحة واسعة للحوار، لكي تجنب الإنزلاق بالأزمة إلي الحرب.. و الحرب تعني في مفهومها البسيط تضيق فرص الحوار، لآن الوصل لقرار الحرب هو تبديل للأدوات الديمقراطية التي كان من المفترض أن تتسيد الساحة.. و أيضا التفكير في الإنفراد بالسلطة، إذا كان من قبل المدنيين أو العسكريين يكون رهان على قبول استمرارية الصراع، و الذي لا يمكن التحكم في نتائجه، لآن التطور الذي يحدث في الصراع يؤدي بالضرورة الحتمية للتغيير في أدوات الفعل السياسي لكي يضمن لأحد الجانبين السيطرة.. السيطرة التي تأتي بعد صراع تغلق العديد من منافذ التواصل.. أن العقل السياسي غض النظر عن مرجعيته الفكرية، و أيضا المدنية و العسكرية إذا فشل في قراءة الواقع و التغييرات التي تحدث فيه، و الميكانزمات المؤثرة لا يستطيع أن يكون مؤثرا فيه بالصورة التي تمكن أجندته أن تفرض حضورها، أنما يظل فقط معارضا لأجندة الآخرين، و في هذه الحالة يكون على هامش العملية السياسية.. رغم أن السياسية مناط بها أن تقود المجتمع لتحقيق تطلعاته السياسية و المعيشية و الأمنية و الحياة الكريمة، فهي أهداف لا تتأتى بالأمنيات، و لا بالشعارات، أنما بمعرفة الواقع و معرفة التحديات و فحص جيد للأدوات التي تساعد على ذلك.. و المعروف أيضا أن التغيير يتطلب إنتاج الأفكار.. لكن بعض القوى السياسية قد فضلت الشعارات على الأفكار، الأمر الذي يجعلها عاجز ان تحدث أختراقا في الأزمة.. و أيضا جعلها ثابة في مكانه لا تستطيع أن تتقدم خطوة إلي الأمام.. الملاحظ؛ حتى الشعار تجده ينهزم أمام الممارسة، لذلك تجد البعض يستخدم أدوات القمع و المنع و غيرها لحجب الرأي الأخر، الأمر الذي يؤكد حالة الخواء الفكري و ضعف الثقافة الديمقراطية.. و يجد الشخص العذر للبعض بسبب تراكم الثقافة الشمولية في البلاد لطول فترات النظم الشمولية، و قد اختلطت عند البعض بأن المنع أداة ديمقراطية، خاصة عندما يعجز عن الحوار مع الرأى الأخر يلجأ لاستخدام أداة القمع.. و الغريب تحت مظلة الديمقراطية.. الأمر الذي يؤكد أن الساحة السياسية قد أصابها التيبس الفكري، الأمر الذي يطيل أمد الأزمة.. فالعقل الناضج لا يهاب الحوار الفكري، بل يجعله أداة للحل.. البلاد لكي تخرج من دائرة الحرب و الأزمات تحتاج لعناصر داخل الأحزاب " Think tank" هؤلاء وحدهم القادرين أن يقدموا أفكارا و مشاريع يطرحونها للحوار بين التيارات المختلفة، لكي ينقلوا الحوار الشعبي من حالة الاحتقان الحادة إلي الحوارات التي تفتح منافذ للهواء الطلق يغير طريقة التفكير السائدة من سالبة إلي إيجابية.. و كل البلاد التي نهضت في العالم اقتصاديا، و نجحت في معالجة نزاعاتها الداخلية قدمت هؤلاء المفكرين على عبدة الشعارات.. لذلك تعتبر قراءة الواقع لمعرفة المؤثرات فيه مسألة ضرورية، هي وحدها إلتي تؤدي لفهم كيفية إحداث أختراق في جدار الأزمة، و التعامل مع القضايا بواقعية و ليس أمنيات و عواطف تلعب دورا سالبا في العملية السياسية.. نسأل الله حسن البصيرة..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة