من المهم جدا اذا أردنا فهم فلسفة الزواج أن نأخذ الأمر من زاوية: رعاية (الإناث) والإنفاق عليهن فالانفاق علي البنت واجب على الأب إلي أن تتزوج ولذلك فالبالغة الغير متزوجة تسمي (يتيمة) جاء في لسان العرب: "وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ يَتِيمةٌ لَا يَزُولُ عَنْهَا اسمُ اليُتْمِ أَبداً؛ وأَنشدوا: وينْكِح الأَرامِل اليَتَامَى وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: تُدْعى يَتِيمَةً مَا لَمْ تَتزوج، فإِذا تَزوَّجت زَالَ عَنْهَا اسمُ اليُتْم؛ وَكَانَ المُفَضَّل يَنْشُدُ: أَفاطِمَ، إِني هالكٌ فتثَبَّتي، ... وَلَا تَجْزَعي، كلُّ النِّسَاءِ يَتيمُ"
وعلي ذلك .. فآية النساء {فإن خفتم ..} تدعو إلي تزويج النساء من باب الرعاية وهي تربط بين الظلم وعدم التزويج: {ألا تقسطوا} ⬅⬅⬅ {فانكحوا} فتعتبر أن من الظلم ترك النساء بلا أزواج وفسر بعضهم: {وإن خفتم} أي (وإذ خفتم) فيكون المعني: وإذ خفتم ألا تقسطوا في اليتامي. وربما في ذلك حكمة: أن رعاية العوانس والمطلقات تكون أكثر انصافا عبر الزواج وقد فسر البعض: {الرجال قوامون على النساء} بأنها رعاية النساء بالإنفاق: {بما انفقوا} بمعني أن تكون كل امرأة في ذمة رجل يرعاها وينفق عليها.
في المجتمع العربي قبل الإسلام كان الرجال يتزوجون بدون عدد فربما يتزوج الرجل عشر نساء أو أكثر فلذلك لا يوجد نساء بلا أزواج بل حتي الصغيرات ما دون البلوغ كان يتم تزويجهن ولا يمكن أن نتغاضي عن حقيقة أن التخلص من عبء الإنفاق كان دافعا رئيسا في استعجال تزويج البنات وحتي في بداية تشريع الزواج في الإسلام كانت الصغيرات يُنكحن بالإذن فقط بدون عقد قران كما بالنسبة للبالغات: {فانكحوهن بإذن أهلهن} لكن فيما بعد تم تقييد زواج الصغيرات فاشترط في تزويج غير البالغات: ١- أن يكون النكاح بعقد مكتوب: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا} ٢- إسلام الزوج ٣- خُلُق الزوج (من جاءكم ترضون دينه وخُلُقه فزوجوه) ٤- موافقة الولي: (لا نكاح إلا بولي)
وبالطبع فإن هذا كله لا ينطبق على البالغة: ففي الحديث: (الأيم [=البالغة] أحق بنفسها) وهذا يعني أن البالغة يحق لها القيام بتزويج نفسها بمن شاءت حتي لو كان من أهل الكتاب: {حل لهم. والمحصنات من المؤمنات} المحصنات [= البالغات] وكل هذا يؤكد الحرص على تزويج البنات خاصة البالغات.
وبالرغم من تقييد زواج الصغيرات (الأبكار) لأن الإسلام يدعو إلي اكثار النسل: (تزَوَّجوا الودودَ الولودَ، فإنِّي مكاثِرٌ بكمُ الأممَ) إلا أن زواج الفتيات (الصغيرات) ابيح للفقراء فقط الذين ليس لهم القدرة علي الإعالة: {أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۚ ذلك ادني ألا تعولوا} وهذا يؤكد أن تعدد الزوجات موقوف علي القدرة المالية وهو ما عبر عنه القرآن بالعدل: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة} فالعدل هو [الباءة] التي ذكرت في الحديث: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج) وفي الآية: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا} فالإسلام لا يكبح من رغبة الرجال ولكنه يضع في اعتباره استقرار حياة الزوجات والأولاد فهناك فرق بين الحق في الزواج وبين الحق في اتخاذ الابناء فللأسف الملاحظ في مجتمعنا الآن أن الحال مقلوب فالغني تجد لديه زوجة واحدة وطفل أو طفلين بينما الفقير له عدة زوجات و (أُرطة) من العيال !!! وهذا يخالف توجهات الإسلام فالحديث واضح في ربط الزواج بالاستطاعة (من استطاع منكم الباءة فليتزوج) فحتي من يريد الزواج من واحدة فلا بد من توفر القدرة المالية فما بالك بمن أراد أن يعدد وما من الناحية الأخري فأن المسلم الغني اذا تدبر آية {وإن خفتم} جيدا فربما يجد أن التعدد واجب في حقه فالآية توحي بأن الأصل هو التعدد بالنسبة للموسرين وأما من لا يملك القدرة المالية فالآية صريحة في أن عليه الإكتفاء بزوجة واحدة: أو حتي الزواج من الفتيات: ■ {فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُوا۟ فَوَ ٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۚ} ● {وَمَن لَّمۡ یَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن یَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُم مِّن فَتَیَـٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِۚ} >>> فالهدف من الزواج بمن لم تصل البلوغ هو تجنب انجاب الأولاد كما فسر الشافعي: {ذلك ادني ألا تعولوا}: أي "حتي لا يكثر عيالكم"
لكن يحمد للإسلام كما خلّص الناس من الرق والعبودية فإنه حصر زواج الصغيرات في نطاق ضيق جدا جدا ومع تطور الطب وظهور موانع الحمل لا يكون هناك داعي - فيما أعتقد لتزويج الصغيرات إلا في حالات خاصة جدا مثل أن يظهر علي بعضهن ما يؤدي إلي الخشية من الإنحراف لأن الإسلام لا يسمح بأي ممارسة للجنس خارج إطار الزواج ولو للاطفال لأن الأطفال الزناة يُجلدون أيضا وبدون رأفة كما يُجلد الكبار (ٱلزَّانِیَةُ وَٱلزَّانِی فَٱجۡلِدُوا۟) وتطبق عليهم أيضا عقوبة المنع من الزواج من مجتمع المؤمنين: {ٱلزَّانِی لَا یَنكِحُ إِلَّا زَانِیَةً أَوۡ مُشۡرِكَةࣰ وَٱلزَّانِیَةُ لَا یَنكِحُهَاۤ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكࣱۚ وَحُرِّمَ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ}
ومع أن تقييد زواج الصغيرات جاءت به سورة النور إلا أن هناك إشارة أيضا في سورة النساء بأن الصبر أفضل من زواج الصغيرات {وَأَن تَصۡبِرُوا۟ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۗ} لكن سورة النور شبهت إكراه الصغيرة علي الزواج كأنه اكراه لها علي البغاء: {ولا تكرهوا فتياتكم علي البغاء} والمعروف أن السورة منزلة (انزلناها) اي أن أحكامها سائدة [حاكمة] على غيرها فقد صار زواج الصغيرات لا يتم الا بمكاتبة (عقد قران): {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا} كما صار والد الفتاة يدفع للزوج: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} وهذا لأن زوج الصغيرة يكفي الأب منذ وقت مبكر عبء الإنفاق على البنت ولا زال هذا تقليد يعمل به في دولة مصر فالأب يلتزم بجهاز ابنته وإن كان لا يُفرق بين البالغة وغير البالغة ولكن يجب أن نلاحظ أنه حتي في سورة النور ورد زواج الصغيرات كإستثناء فالقاعدة هي الإستعفاف أي أن الصبر 'إلي أن يحصل الغني- أفضل من زواج الصغيرة.
ولكنه قال {الأيامي منكم} ولفظ {منكم} يشير أن المقصود الرجال لأن المخاطب ب {منكم} دائما هم الرجال فهذا أمر واضح بتزويج غير المتزوجين من الرجال وإن كانوا فقراء: {إِن یَكُونُوا۟ فُقَرَاۤءَ یُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ} لكن تزويج الفقراء من الطبيعي ألا يكون متاحا خشية إنجاب الأبناء لذلك جاء بعد أن الذي لا يجد نكاحا يمكنه الزواج من غير البالغات اذا كان مسلما ذا خلق: {وَٱلَّذِینَ یَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِیهِمۡ خَیۡرࣰاۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ ءَاتَاٰكُمۡۚ} مع أن الصبر (الاستعفاف) أفضل له: {وَلۡیَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِینَ لَا یَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ یُغۡنِیَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ} وكل ذلك يؤكد حرص الإسلام الشديد علي تزويج الرجال والنساء فآية النور بتزويج الأيامي الرجال تتكامل مع آية النساء بتزويج اليتامي (غير المتزوجات)
إذن فالتعدد وزواج الصغيرات هما وسيلتان استخدمها الإسلام في إطار حرصه الشديد علي تزويج غير المتزوجين ومع أن الوسيلتين لا تتوافقان مع هوي كثير من الناس خاصة بعض النساء بالنسبة للتعدد لأن المرأة لا تحب أن يعدد عليها مهما بلغ زوجها من الغني لكن نذكر بأن هذا هو دين محمد: {وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنࣲ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ أَمۡرًا أَن یَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِیَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ} ومهما حاول الناس طمس الحقائق لكن الحق لا بد سيظهر ¤▪¤▪¤▪¤▪¤ جاء في الحديث: الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وجاء في القرآن: {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}
□■□■□■ نذكّر بالدعاء علي الظالمين فهو دعاء لا شك مستجاب الذين أخرجوا الناس من ديارهم بغير حق وسفكوا دماءهم وانتهكو أعراضهم وأخذوا حقوقهم وساموهم سوء العذاب
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة