أزمنة الكرب وبعثرة الأوطان (٦٢) العداء للحزب الشيوعي عبر معارك بلا معترك! (الجزء الأول) × عايرني أحد الأصدقاء بمقال بعثه لي لأحد أعداء الحزب، يهاجم فيه آراء الصديقة هنادي فضل حول "كتلة المتمة". وفي المقال المشار إليه يهاجم كاتبه الحزب الشيوعي وقياداته وعضويته بأوصاف متعددة "لا في السماء ولا في الأرض"، لمجرد أن هنادي قيادية في الحزب وعضوة لجنته المركزية، منطلقًا من آرائها للهجوم "الضاري والكاسح" على الحزب، ليس لسبب سوى باعتباره حليفًا لآرائها لأنها عضو قيادي باللجنة المركزية. × ولو تركنا جانباً مثل هذا "النقد غير المتسق"، فها أنذا أقول لصديقي الذي عايرني: حسناً، ثم ماذا؟! هذه آراء هنادي فضل وليست آراء الحزب الشيوعي، ومع أنها صديقتي وزميلتي في الحزب ولجنته المركزية، ولكنك ستجدني لا أتفق معها، خاصة وهي تطرح مثل هذا الرأي "الذي يجلب المتاعب للحزب". وكان حريًّا بها أن تتفكر أين وكيف تضع مقدمة قلمها الناقد! ولذا تجدني أقف في الضفة الأخرى من هذه الآراء، ولكل رأيه، وكل يتحمل رد فعل ما يقول دون أن يكون للحزب علاقة به. ولكني أتفق تمامًا معك يا صديقي، ومع الذين يطالبون بضرورة أن تنسجم آراء عضوية حزب يهتدي بالماركسية والدياليكتيك مع هذه المفاهيم، خاصة بالنسبة لقيادته. × وإذ أؤكد أن هذه آرائي وحدي، لا بالضرورة آراء الحزب أو عضويته، أود التوضيح أن نقدي لآراء هنادي ينبع من رفضي لمفاهيم مغلوطة درج بعض المثقفين على ترديدها، مثل النظر إلى أهل الغرب فقط كـ "غرابة" ضمن تصنيفات الهامش، أو – وهذا الأخطر – تشبيه أنصار الخليفة عبد الله التعايشي والثورة المهدية بالجنجويد، وهو تشبيه غير حكيم ولا يستقيم مع التاريخ ولا مع المنطق. × وفي هذه الأيام التي تصادف ذكرى معركة كرري، أعود لقراءة كتاب السيف والنار لمؤلفه سلاطين باشا، للمرة الثانية، ولكن هذه المرة بمنظور ناقد. وأجد أن أي قارئ منصف لابد أن يلحظ تحامله الشديد على الخليفة عبد الله التعايشي، رغم أن الأخير لم يؤذه بل قرّبه وألحقه بوظيفة عنده. ولعل خلاصة قراءتي أن سلاطين حاول الحط من قدر رجل دولة تكالبت عليه ظروف الداخل والخارج، وهو يقاوم بما تيسّر له، دون أن يتنكر لمؤسسات مثل مجلس القضاء العالي الذي كان يحتكم إليه. × لقد عاشت بلادنا قبل الثورة المهدية وبعدها فظائع مشابهة: من حملة الدفتردار الانتقامية واستباحة شندي والمتمة، إلى استباحة كتشنر لأم درمان بعد كرري. والسؤال هنا: لماذا نستدعي "كتلة المتمة" وحدها، ولا نستحضر بتوازن تلك الجرائم الأخرى؟ أرى أن الخلل في مناهج تدريس التاريخ التي رُوّضنا فيها على التلقين بدل النقد، ما أورث أجيالاً تصورات مبتسرة. × أذكر أنني في حوار مع الصفحة الثقافية لصحيفة الميدان حول لجوئي السياسي ببريطانيا، قلت إنني لم آتِ إليهم غازياً كمصطفى سعيد، ولم أحملهم وزر صنيع أسلافهم الاستعماري، رغم أنهم جلبوا إلينا جرثومة العنف الأوروبي الأكبر الذي لم يشهد العالم مثله من قبل. بل اقتربت منهم بقدر ما اقتربوا من نبذ الماضي والتحضر وحقوق الإنسان، وشكرتهم بأدب على حمايتي ومنحي حق اللجوء. فالثوري الحق يسمو على الضغائن ونزعات الانتقام، ويتصالح مع الواقع بموضوعية، وهو ما قال به لينين نفسه حين دعا للنظر إلى الأمور من منظور طبقي لا قبلي، وعدم تحميل الحاضر أوزار الماضي. × في المقابل، فإن الحزب الشيوعي السوداني لم ينكر مأثرة الثورة المهدية، بل احتفى بها باعتبارها جزءًا من تاريخ التحرر الوطني. يكفي أن نذكر مقال الشهيد عبد الخالق محجوب "الخليفة عبد الله المفترى عليه"، وما كتبه التجاني الطيب في الميدان، وأشعار جيلي عبد الرحمن الذي شبّه عبد الخالق بالمهدي. وإلى جانب هؤلاء، أسهم الدكتور محمد سعيد القدّال بكتابه البديع "لوحة ثائر" الذي مجّد فيه الإمام المهدي، في سياق احتفاء الشيوعيين السودانيين بالثورة المهدية وقادتها، وتأكيدهم على مكانتها في مسار الحركة الوطنية. × وها أنذا، ورغم عضويتي في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، أتحمل مسؤولية ما كتبته أعلاه وحدي، دوناً عن الحزب الشيوعي، تمامًا مثلما تتحمل الصديقة هنادي فضل، عضوة اللجنة المركزية، مسؤولية ما كتبت وحدها دوناً عن الحزب الشيوعي. ‐-------------------- لجنة تفكيك التمكين كانت تمثلني وستمثلني لاحقاً ايضاً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة