الفترة التي سبقت اداء حكومة تأسيس للقسم والاعلان عن نفسها رسميا صاحبتها بعض التحركات من الجانب الاخر، بدت وكأنها خطوات استباقية أو ترتيبات لمشهد مابعد الانفصال الذي لاح على الافق!! فقد تواردت اخبار متضاربة عن توقيع البرهان بعض الاتفاقيات، مع السعودية من جهة، بخصوص ترسيم الحدود البحرية، ومن جهة اخرى مع مصر في مايخص ملف حلايب وشلاتين، حيث اتهمه البعض بالتنازل عنهما لصالح مصر، وهذه الاتهامات يمكن تصنفيها ضمن الحرب الاعلامية بيت طرفي النزاع إذ لا يوجد م يؤكدها، ولكن من المتوقع ان تتم بعض التفاهمات السياسية والاقتصادية، في ظل تصريحات مصر المتعاقبة بدعمها ما تسميه الحكومة الشرعية في السودان!! وهو موقف طبيعي لمصر البراغماتية التي تعرف كيف تدير علاقاتها مع السودان جيدا عكس حكوماتنا المتخبطة!!
فببساطة لا يمكن ان توافق مصر على قيام دولة ملايش غير مأمونة الولاء على عمقها الاستراتيجي، كما انها لن توافق بأي حال من الاحوال عودة الحكومة المدنية مرة اخرى لان هذا يعني عودة سيادة الدولة السودانية!! و بهذا المنطق فقد سعت بشكل جدي لافشال اي مفاوضات بعيدة عن طاولاتها، بل سعت الى قيادة مفاوضات خاصة بها ولكنها فشلت لجهة ان الاحزاب والشخصيات والواجهات التي تم دعوتها لم تكن سوى كيانات كرتونية بلا وزن سياسي او دعم خارجي!!
وعندما دعت الخارجية الامريكية الى قمة الاربعة بواشنطن عملت جهدها على افشالها ، وقد نجحت في إلغاءها او رفعها الى اجل غير مسمى!! وهذه خدمة جليلة للبرهان ومن وراءه معسكر الحرب!! مما يعني ان مصر المخنوقة بازماتها ستقدم فاتورة عالية القيمة جدا وواجبة السداد، فهي تنظر الي السودان بوضعه الفوضوي هذا كمورد يمكن استغلاله مقابل بعض الخدمات التي يمكن تقديمها هنا وهناك!! حيث يمكنها الاستفادة من قضية غزة لتعرض خدماتها على واشنطن المتورطة مع نتنياهو ومساعدتها في تحريك بعض الملفات العالقة بحكم نفوذها في المنطقة، وبالمقابل اقناعها بالتراجع عن تبني الرؤية التي قدمتها القوى المدنية باعتبارها تطرح حلول جذرية تعالج مشكلة الحرب الاساسية وهذا طريق طويل تلزمه سنين من العمل المضني لن يتوافق مع رؤية ترامب الذي يتبنى دبلوماسية (الصفقات السريعة) مع انه طارح نفسه كرجل سلام الا انه لا يملك الوقت الكافي لمماحكات السياسيين والعسكر، فطرح مثل خيار الدولتين يبدو رشيقا وسريع التنفيذ سيلاقي عنده استحسانا ويتبناه بلا شك!!
ولكن ماذا لدى البرهان ليقدمه في هذه الصفقة!؟
مصر ( السيسي) لديها مخاوفها السياسية ويشكل تحالف الجيش والاسلاميين مهدد يجب ان تعمل جهدها لحلحلته او تخفيف تأثيره عليها بأي ثمن ، كما ان الموارد وحروب المياه الاقليمية تحتم عليها ايجاد حليف موثوق داخل كبينة قيادة الجيش!!
والبرهان الذي تمرس في لعبة التحالفات التكتيكية والذي يملك اطراف عنكبوتية قادرة على التشبت بكل الخيوط الممكنة لن يعييه التضحية ببعض (مستلزمات) المرحلة فإحالة بعض الضباط الاسلاميين وتوقيع بعض الصفقات الاقتصادية مع مصر امر مفهوم في ظل لعبة المصالح المتبادلة وهو شئ قد يتم هندسته بكل بساطة!!
فإحالة الضباط الاسلاميين يمكن ان يتم باتفاق تام معهم وسيحرص البرهان على ان لا يؤثر على علاقته بهم، وللحقيقة فإن مصر نفسها لن تهتم بهذا الامر كثيرا لانها تعرف حتى ولو عاد الاسلاميين الى الحكم فانها قادرة على السيطرة عليهم لجهة ان ما تبقى على كابينة القيادة الاخوانية السودانية هم ثلة من اصحاب (المصالح) الشخصية الذين افسدتهم السلطة كما قال شيخهم ( الترابي) ولا يدينون للفكرة ( الاخوانية) المركزية بأي ولاء، ولن يقدموها على مصالحهم الشخصية، بل لا ابالغ اذا قلت ان مصر تحرص على بقاءهم على خارطة السياسة السودانية لكي تبتذ بهم المجتمع الدولي، ولكن هذا سلاح ذو حدين قد تلدغ منه اذ يمكن ان يفتح السودان لجماعات ( متطرفة) يعملون على زعزة الاقليم!!
اما في ما يخص الملف الاقتصادي يمكن للبرهان بكل سهولة منح مصر ملايين الهكتارات للاستثمار الزراعي ويمكنها من اقامة المصانع للصناعات التحويلية ومنحها مربعات شاسعة للتعدين!!
ولكن يبقى كل هذا ذرة في بحر كارثة الرضوخ لفكرة الانفصال والترتيب لها، إذ ان هذا الامر سيعني اعطاء واشنطن والمجتمع الدولي الضوء الاخضر لتهيئة العالم الاعتراف بدولة (تأسيس) الناشئة، التي بدأت خطوات عملية بتسمية مندوبها لدى الامم المتحدة، ونحن في انتظار ما ستكشفه لنا الايام القادمة، فالكلام عن الرجوع الى طاولات التفاوض قد تجاوزه الزمن وقفلت امامه كل الابواب بالضبة والمفتاح، اما القول بان هذه (الحرب) ستحسم من خلال البندقية فسينقلنا الى حديث اخر غير الذي كنا نفهمه قبل هذا فالوضع الان يشبه تماما الحرب بين دولتين وليس معركة في ظل دولة واحدة، طال الزمن ام قصر ستتشكل خلفها تحالفات سياسية ودبلوماسية، اقليمية ودولية خلاف ما كان معروف قبلا، وقد لا يطول الزمان حتى نبدأ الحديث عن ضرورة ايقاف الحرب بين الدولتين ( الجارتين) أو ما كان يعرف سابقا (بالسودان)!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة