بالأمس، تجلّت المفارقة بين العبيد والأحرار. ظهر صوت الشعب السوداني الذي ظلّ مغيباً لعقود، بسبب عملاء الأنظمة المصرية المتعاقبة، بدءاً بعبود وإنتهاء بمجرم الحرب البرهان.
أمس الأول، أوصلت حكومة التأسيس صوت الملايين: صوت الغلابة والمهمّشين، صوت من لا صوت لهم، صوت الكادحين والرعاة والمزارعين، صوت ملح الأرض وعبيرها. فحين يُذكر اسم حلايب وشلاتين، تنكشف الأقنعة، وتُفضح الولاءات، ويُختبر الانتماء الحقيقي للأرض والناس. العبيد لا يتكلمون عن حلايب وشلاتين العبيد، أولئك الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات في يد دولة 56، لا يجرؤون على ذكر حلايب وشلاتين. ليس لأنهم يجهلون أهميتها، بل لأنهم فقدوا القدرة على النطق باسمها دون إذن من أسيادهم. على رأسهم مجرم الحرب عبد الفتاح البرهان، الذي لا يستطيع مخاطبة الشعب السوداني إلا بلغة الخوف والتبعية. هؤلاء العبيد لا يرون في الأرض قضية، ولا في الشعب شرفًا، بل يرون في السلطة غنيمة، وفي الصمت طاعة. وهنا لا يفوتني تذكير ناجي مصطفى، الذي ألقى خطبة عصماء عن "ضرورة تحقيق العدالة". أي عدالة يحققها العبيد؟ العدالة التي يتحدث عنها ناجي تُشبه عدالة "عمي عثمان" في المسلسلات المصرية: "بوّاب مسكين" مهمته لا تتعدى فتح الباب وإغلاقه. ناجي، الذي يتقن فنّ التهويم، يوزّع الشعارات كما تُوزّع المنشورات في حفلات العلاقات العامة، دون أن يجرؤ على ذكر حلايب أو شلاتين أو أي قضية حقيقية. أتحدّاه أن يذكر حلايب وشلاتين، بل أتحدّى مجرم الحرب البرهان أن يذكر حلايب وشلاتين، وكذلك صلاح قوش، والطاغية الضلالي عمر البشير، وبقية الخونة والعملاء الذين لا يرون في الأرض إلا صفقة للبيع في سوق النخاسة العالمي. هل فهمتم الفرق بين العبيد والأحرار؟ تصحيح المعنى قبل تصحيح الموقف أنا هنا لا أصحّح إعوجاج السياسة فحسب، بل أعالج إعوجاج اللغة والثقافة التي تُستخدم لتزييف المواقف وتبرير الأفعال المضرة بالأوطان. فالخيانة تُسمّى "حكمة"، والتبعية تُقدّم على أنها "واقعية"، والصمت يُروّج له كـ"إتزان". هكذا تُغتصب الكلمات، وتُغسل الأدمغة، ويُعاد تشكيل الوعي ليخدم الخونة والعملاء. لذلك، فإن معركة الأحرار ليست فقط في الميدان، بل في المعجم أيضاً. نُعيد تعريف الشرف، نُعيد الإعتبار للصدق، ونُعيد بناء اللغة التي تُسمّي الأشياء بأسمائها: الخيانة خيانة، والحرية حرية، والأرض لا تُباع. لا مكان للأكاذيب بعد اليوم نحن هنا لا نكتب للتسلية، بل نُعلن موقفاً ووعداً بأننا سنلقم كل من يتطاول على إرادة الشعب السوداني الطامحة إلى الحرية والعدالة والسلام حجارة من سجيل. لقد إنتهى عهد الأكاذيب والتضليل، وإنكشف المستور. من يراهن على تزييف الوعي، أو على تكميم الأفواه، أو على إعادة تدوير الطغيان والخراب، فليعلم أن الشعب قد إستيقظ، وأن الكلمة الحرة أصبحت أقوى من الرصاص. وكما قال السيد الرئيس محمد حمدان دقلو: "الشلاقي ما خلا عميان"—وها نحن نرى العميان يتخبطون في ظلامهم، بينما الشعب يُبصر طريقه بوضوح، ويعرف عدوه من صديقه، ويعرف أن الأرض لا تُباع، وأن الكرامة لا تُساوم. الأحرار يحيّون أهل حلايب وشلاتين في المقابل، الأحرار لا يساومون على الحقيقة. رئيس وزراء حكومة التأسيس، الأستاذ محمد حسن التعايشي، لم يبدأ خطابه بالوعود الفارغة، بل بدأه بتحية أهل حلايب وشلاتين، اعترافًا بأنهم جزء لا يتجزأ من السودان، من التاريخ، من الدم، ومن الحلم. هذه التحية لم تكن مجرد كلمات، بل كانت إعلاناً أخلاقياً بأن حكومة التأسيس جاءت من رحم الثورة، لا من دهاليز الانقلاب. حكومة التأسيس: ولادة من رحم المعاناة حكومة التأسيس لم تكن امتدادًا لدولة القهر، بل كانت ثمرة نضال طويل، امتدادًا لثورة ديسمبر المجيدة، وثورة أكتوبر 1964، وانتفاضة مارس/أبريل 1985. جاءت من قلب المعاناة، من دماء الشهداء، من صرخات الأمهات، ومن حلم الأجيال التي لم تركع. ولذلك، كان من الطبيعي أن تبدأ خطابها بتحية الأرض، لا بتحية العسكر. المفارقة الأخلاقية والسياسية الفرق بين العبيد والأحرار ليس في الألقاب، بل في المواقف. العبيد يهربون من الحقيقة، والأحرار يواجهونها. العبيد يصمتون أمام القضايا المصيرية، والأحرار يرفعون صوتهم ولو كلّفهم ذلك حياتهم. العبيد يبيعون الأرض، والأحرار يحيّونها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة