في عام 1994 ارتكبت أوكرانيا خطأً استراتيجيًا فادحا ظل يُلاحقها حتى هذا اليوم لقد خرجت اوكرانيا من عباءة الاتحاد السوفيتي وهي تملك واحدة من أضخم الترسانات النووية في العالم بأكثر من 4000 رأس نووي وصواريخ عابرة للقارات لتصبح ثالث قوة نووية بعد الولايات المتحدة وروسيا لكن تحت ضغط الغرب وبتفاهمات مع موسكو وقّعت اتفاق "بودابست" الشهيرالذي بموجبه تخلت "كييف" عن كامل ترسانتها النووية مقابل "ضمانات" واهية من واشنطن ولندن وموسكو بحماية أمنها ووحدة أراضيها، مرّت ثلاثة عقود فقط فإذا بروسيا تعود بجيوشها إلى قلب أوكرانيا تحتل وتدمّر وتشرّد، بينما الغرب يكتفي ببيانات الإدانة ومساعدات عسكرية تُرسل بالتقسيط،الحقيقة أن أوكرانيا لم تُهزم عام 2022 بل انهزمت منذ أن سلّمت سلاحها في عام 1994 ووضعت مصيرها في يد خصومها لقد أكّد التاريخ من جديد أن السيادة لا تُصان بالوعود ولا بالمصافحات المخادعة أمام الكاميرات وإنما بالقوة الرادعة والقدرة على حماية الذات السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل السودان سوف يستفيد من دروس التاريخ سواء علي المستوي الاستراتيجي علي مختلف الجوانب ولماذا ظل السودان استراتجيته العسكرية دفاعية فقط لماذا لم يهتم بالخطط والاستراتجيات والاسلحة الهجومية مطبقا لتلك المقولة "الهجوم خير وسيلة للدفاع" يهاجم دون ان يكون هو المعتدي يهاجم ويردع ويحبط اي تحركات ضد السودان ويجب ان تكون الدولةجاهزة للردع والهجوم المضادت حتي لايصبح السودان مسرح وارض معارك لاخرين ويكون السودان والمواطن هو الضحية ويستوجب على السودان ان يتعلم من الدرس الاوكارني المجاني الماثل امامنا بكل تفاصيله لان هذا الدرس الأوكراني يعيدنا إلى تجارب السودان السياسية والعسكرية فمنذ استقلال البلاد عام 1956 ظلّ السودان يواجه تحديات وجودية من الحرب الأهلية الطويلة في الجنوب التي انتهت بانفصال الدولة عام 2011 إلى تلك الصراعات المتكررة في جبال النوبة ودارفور والشرق والآن الحرب المدمرة في العاصمة الخرطوم قلب السودان وكذلك الولايات التي هي بمثابة الشريان المغذي للعاصم ،التجربة السودانية كشفت أن الثقة في التعهدات الدولية وحدها لا تحمي الأوطان ففي اتفاقية نيفاشا 2005، حصل السودان على وعود دولية بالسلام الدائم لكن ضعف البنية الداخلية والانقسامات السياسية جعلت الانفصال واقعًا بعد ست سنوات فقط كذلك اتفاقيات وقف إطلاق النار المتكررة بين الجيش والحركات المسلحة أو مع الدعم السريع أثبتت هشاشتها، إذ سرعان ما انهارت لأنها لم تستند إلى قوة تفرض احترامها بل إلى نصوص ورقية وأحبار سرعان ما جفّت وظل الوطن يعيش في حرب أنهكت البلاد والعباد فإن الحرب الحالية التي تعصف بالسودان منذ إبريل 2023 كشفت حجم الإنهاك الذي وصلت إليه البلاد، البنية التحتية دُمّرت الاقتصاد انهار ملايين السودانيين نزحوا أو هاجروا والمجتمع يعيش حالة من الضعف غير المسبوق، تمامًا كما فعلت أوكرانيا حين تخلّت عن أسنانها الحادة يجد السودان نفسه اليوم مكشوفًا أمام التدخلات الخارجية أسيرًا لانقسامات داخلية وعاجزًا عن حماية سيادته اذا ماهو الدرس المستفاد؟ الواقع يفرض علينا أن نفهم أن "القلم وحده لا يصنع السيادة" السودان عبر تاريخه الطويل منذ مقاومة المهدية للاستعمار في القرن التاسع عشر إلى بطولات الجيش السوداني في معارك 1973 الي جانب مصر أثبت أن القوة الرادعة والقدرة على حماية الأرض هما ما يحفظ كرامة الأوطان أما الاعتماد على وعود الخارج أو التنازل عن عناصر القوة الاستراتيجية، فهو أشبه بتسليم مفاتيح البيت للغريب اليوم يقف السودان أمام منعطف خطير إما أن يستفيد من دروس التاريخ بشكل عام وعلي وجه الخصوص الدرس "الأوكراني والسوداني معًا" على السودان ان يسعي في بناء قوة متماسكة قادرة على حماية وحدته أو يظل أسيرًا لحلقات الضعف والتبعية التي لا ترحم ولا تأتي الا بالخراب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة