كيف تحوّل النور حمد من ناقد للعقلية الرعوية إلى مدافع عن الميليشيا؟ كتبه عبدالغني بريش فيوف

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 09-01-2025, 10:29 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-27-2025, 08:08 PM

عبدالغني بريش فيوف
<aعبدالغني بريش فيوف
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 577

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
كيف تحوّل النور حمد من ناقد للعقلية الرعوية إلى مدافع عن الميليشيا؟ كتبه عبدالغني بريش فيوف

    08:08 PM August, 27 2025

    سودانيز اون لاين
    عبدالغني بريش فيوف -USA
    مكتبتى
    رابط مختصر





    يبدو أن عالم الفكر والسياسة في السودان أحيانا ينقلابان رأسا على عقب بشكل مذهل وغريب، حيث تصبح المفارقات هي المحرك الأساسي للنقاش السياسي والفكري، فمن ينتقد العقل الرعوي في البداية، بوصفه مصدرا للتخلف والجمود الاجتماعي والسياسي عبر كتابات مطولة، قد يتحول فجأة إلى مُنظِّر لميليشيا قائمة أساسا على العقلية الرعوية، وليس هذا تحولا فكريا فقط، بل لحن تراجيدي يعيدنا إلى سؤال مركزي.. ما الذي تغيّر أو حدثّ؟
    نحن هنا نتحدث عن الدكتور النور حمد الترابي، الرجل الذي شغل المجال الفكري السوداني بمقالاته حول ما يسمى بالعقل الرعوي، منتقدا تأثير النمط البدائي في تشكيل منظومة السياسة والاجتماع السوداني، وفي مفارقة أدهشت الكثيرين، وجدناه أخيرا مُنظرا لميليشيات الجنجويد، التي تُعتبر النموذج الأوضح للعقل الرعوي ذاته الذي قضى الرجل سنوات في مهاجمته.
    كان نقد النور حمد للعقل الرعوي يرتكز على فكرة محددة جدا مفادها أن السودان يعاني من تخلف تاريخي سببه ارتباط بنيته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بعقلية إنتاجية تعتمد على الرعي أكثر من الزراعة أو التصنيع. وقد تم تصوير العقل الرعوي في كتابات النور كحالة من الركود، حيث ظلّت المجتمعات الرعوية غير قادرة على بناء مؤسسات حديثة أو تجاوز النزعات القبلية الضيقة.
    الخلاصة التي خرج بها كثيرون من نقد حمد هي أنه ينظر للعقل الرعوي بوصفه التهديد الأكبر للتطور في السودان، حيث يؤكد أن العقل الرعوي لا يُنتج دولة حديثة، بل على العكس، يُنتج صراعات، تقسيمات، وحروبا تماما مثل تلك التي ساهمت فيها ميليشيات الجنجويد على مر العقود.
    وبالطبع، لم يكن نقده للعقل الرعوي مجرد تحليل أكاديمي، بل اتخذ أبعادا سياسية واضحة، بدا فيها وكأنه يُلقي باللوم على البنية الاقتصادية والاجتماعية للرعاة، وعلى تمسكهم الهوسي بأرضهم أو قطيعهم، مُتّهما هذه العقلية بإعاقة تقدم السودان نحو مستقبل أكثر مدنية.
    عزيزي القارئ..
    إذا تعمقنا بالنقد الظاهر للعقل الرعوي، سنجد الجنجويد كنموذج عملي صاخب لهذا المفهوم، فهذه الميليشيا المسلحة، التي تأسّست بشكل أساسي من مجموعات رعوية صحراوية، لم تُظهر فقط ارتباطا بالبرامج القتالية القبلية، بل أيضا اعتمادا مباشرا على مفردات الرعي المسلح والفوضى.
    مسألة القتال للاستيلاء على الموارد (الأرض والمياه) كانت ولا تزال مرتكزا أساسيا في عمليات الجنجويد، مما يجعلها المثال التطبيقي الحقيقي لتحليلات النور حمد حول العقل الرعوي.
    ولكن الغريب أو ربما الصادم هو أن النور حمد، الذي كان صاحب الصوت الأعلى في التصدي لتحجّر العقلية الرعوية، بدأ يظهر مواقف تبريرية للسلوك الجنجويدي. فهل يمكن أن يكون الرجل الذي أعاد تعريف مشكلة السودان الاجتماعية والسياسية باعتبارها مشكلة رعوية قد وجد أخيرا ضالته في تنظيم ميليشياوي مثّل العقل الرعوي بشكل فاضح؟
    السؤال هنا ليس فقط حول ما إذا كان دكتور النور حمد قد تغيّر فكريا، بل حول ما إذا كان نقله للعقلية الرعوية من حقل النقد إلى حقل التبرير هو جزء من إعادة صياغة معايير القوة السياسية في السودان.
    هل يمكن أن يكون العقل الرعوي الذي رآه في البداية علامة على التخلّف قد تحوّل فجأة إلى الوسيلة الأنجع لإعادة تشكيل السلطة في الدولة السودانية؟
    على المستوى العملي، إذا أخذنا تصريحات النور حمد الأخيرة، التي بدا فيها وكأنه يُشرعن سلوك الميليشيات في سياق التحوّلات السودانية، نجد عبارات توحي بأنه يرى الجنجويد كفئة تعكس حقيقة الصراع، وهو ما يدفع البعض للقول بأن الرجل لم يعد ناقدا للعقل الرعوي، بل أصبح، بطريقة ما، مُنظِّرا للجنجويد الرعوية، فهل تغيّر الموقف تحت تأثير الضغوطات السياسية، أم أن تغيّر الفهم جاء استجابة لظهور دولة الجنجويد كقوة حقيقية في المشهد السوداني؟
    إذا أردنا تناول التغيّر الذي طرأ في موقف النور حمد بسخرية، يمكننا القول إن الرجل انتقل من كونه الفجّار الفكري ضد العقل الرعوي إلى الطبّال السياسي للرعاة المسلحين في أقل من انحناءة من الزمن، بل يمكننا وصف التحوّل بأنه أقرب إلى تغيير قرون الماعز في صورة ذئاب، حيث عاد حمد ليبرّر نصوص القوة وفق ذات المنطق الذي لطالما هاجمه.
    ماذا نقول عن رجل وصف العقل الرعوي بأنه متخلف، ثم فجأة قرر أن ميليشيا الجنجويد، وهي أقرب نموذج حي لهذا العقل، ربما تكون عنصرا للترتيب السياسي الضروري في السودان.. هل تعدّ هذه قفزة في الهواء أم سقوطا حرا في مياه الميليشيا؟
    *******************************
    ما نخلص إليه عزيزي القارئ، ليس فقط السخرية من الصدمات الفكرية والسياسية التي يسببها تحليل دكتور النور حمد، بل محاولة فهم المنطق الذي يربط بين نقد العقل الرعوي وبين تنظيره لظاهرة الجنجويد، إذا كان العقل الرعوي، في رأيه، هو أصل الخراب، فكيف أصبح كتلة الخراب ذاتها مبررا لإعادة الشؤون السودانية إلى مسارها السياسي؟
    ربما كانت هذه استدارة فكرية غير محسوبة، أو استجابة للأمر الواقع في صراع تتداخل فيه كافة مستويات الخراب، لكن الأكيد أن هذه المفارقات الفكرية ستظل موضوعا خصبا للنقد والسخرية لفترة طويلة.
    من خلال موقف الدكتور النور حمد، يتضح لنا أن الرعوية، ليست فقط سمة في قرية أو فرقان أو وديان، بل يمكنها أن تصيب منظّري الحداثة بالرعد، فإذا دخل الجنجويد القصر، صنع المثقف طبلته الجديدة ليغني لهم قصيدة عقلانية عن ثورة الرعاة والبدو، إذ أن الأمر في الحقيقة، أشبه بشاة تبحث عن العشب حيثما نبت، ولو كان في أراضي الجنجويد القاحلة.
    تُجسد سيرة الدكتور النور حمد والتحولات الحادة في خطابه الفكري نموذجا صريحا للانتقالية المربكة والانتهازية التي وسمت قطاعا واسعا من المثقفين السودانيين على امتداد التاريخ الحديث، إذ في قلب هذا الجدال، يظهر المثقف السوداني كمشارك فاعل أحيانا، وكضحية لتقلبات المشهد السياسي والاجتماعي أحيانا أخرى، لكنه غالبا ما يُمسك بخيط يكفل له إعادة تدوير الذات لتتماشى مع موازين القوى السائدة، سواء أكانت يمينا أو يسارا، سلطة أو معارضة، عسكرية أو مدنية، جذرية أو إصلاحية.
    فما بين نقد العقل الرعوي لسنوات طويلة وتصنيفه كأصل التخلف والانقسام، إلى تبرير سلوك الميليشيا الرعوية وتسويغ حضورها في المشهد السياسي، يكشف النور حمد بوضوح فاضح عن أحد أهم مكامن الضعف في بنية المثقف السوداني: نقص الاستقلالية الفكرية وجبن المواجهة مع الواقع عند اشتداد صراعات القوى، وهو سلوك لا يمكن قراءته بمعزل عن تاريخ طويل من ارتهان المثقف السوداني للمصالح المرحلية، وتوظيف الأفكار أو حتى إنكارها، بحسب الرائج والسائد، وليس بحسب المبادئ أو التقاليد النقدية الرصينة التي يفترض أن يتكئ عليها المثقف.
    تاريخيا، لم يتردد الكثير من المثقفين السودانيين في الانتقال من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، أو من معارضة ممانِعة وصارخة إلى موالاة صاخبة، ومع كل منعطف جديد من منعطفات السياسة السودانية، يظهر جيل من المثقفين يحمل بين يديه سرديات مهيأة للأسواق الجديدة، لا لخدمة الحقيقة، بل لضمان مقعد في الباص القادم للسلطة، وحين تنهار سلطة ما أو يخفت نجم تيار، يسارع بعضهم إلى إعلان التوبة الفكرية وإعادة تموضعهم على الضفة الأكثر أمانا وجدوى.
    ما جرى مع النور حمد من نقد للعقل الرعوي والدعوة للخروج منه، إلى تبرير عنف الجنجويد الذي هو أعلى تجليات هذا العقل، لا يخرج عن نمط اختبارته النخب السودانية من قبل: من الاحتفاء بالإسلاميين زمن صعودهم، إلى الثورة عليهم حين غرقوا في المستنقع، ومن الإشادة بالجيش كمنقذ، إلى اتهامه بالإسلامية عند أول انقلاب.
    تنتقل هذه الحالة الانتهازية بسلاسة، وكأنها فطرة متجذرة، لتعيد تشكيل الخطاب عند كل محطة جديدة، إنها آلية بقاء، تبرر كل شيء وتكيف كل منطق، في سبيل الالتحاق بالقوة الصاعدة.
    هذه الانتقالية الانتهازية أضرت بمسار التحديث والديمقراطية في السودان أبلغ الضرر، إذ أبقت كل المعاني الكبرى للحرية والتمدن رهينة لخطاب اللحظة وموضة المواقف العابرة، فبدل أن يكون المثقف صوتا نقديا حقيقيا، وضميرا للحقيقة بمعزل عن مراكز القوة، أصبح في أحيان كثيرة بوقا لنزوات الانقسام، أو طبالا في بلاط السلطة الجديدة، يلبس لكل مرحلة عباءتها الفكرية.
    إن المثقف السوداني، في هذه الأجواء المضطربة، لا يُطلب منه الجمود أو رفض المراجعة، بل يُطالب أولا وأخيرا بالثبات على قيم منسجمة، والجرأة في مواجهة صدمات الواقع دون الارتهان لطغيان القوة أو بريق السلطة، تلك هي الوظيفة الأصيلة التي يُعوّل عليها في إنقاذ البلاد من الدوران الأبدي بين الحظائر والأصياف، بين جزر السلطة المتقلبة ومنابت المعارضة الهشة.
    إذا كانت الرعوية قد اجتاحت، بأدواتها المسلحة، بلاط الدولة، ثم وجدنا المثقف الحداثي، يجعل لها أناشيد ومرافعات عقلانية، فليس ذلك إلا برهانا مؤلما على عجز المثقف السوداني عن الوصول لإطار فكري أخلاقي ثابت، وعن تقديم مشروع أصيل للتغيير، غير خاضع لإملاءات الوقت، ولا لسلطة الاستبدال السياسي، وبين انتقالاته المتكررة، يظل السودان معلقا بين أمل التقدم ووهم الرعوية المزينة بألف قناع من أقنعة الثقافة والحداثة الزائفة.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de