واحدة من إستراتجية السيطرة على الفعل السياسي، أو محاولة إبعاد جزء منه عن الساحة السياسية، أن تحدث فيه حالة من الإرباك السياسي، تعجز العقل على المتابعة، و التمييز بين العناوين المختلفة دون فهم للهدف المقصود منها، و بذلك تختلط فيه الأوراق، و يختل ترتيب الأولويات.. هذا الإرباك سوف يجعل العقل متجاذب بين العديد من القضايا المطروحة، فكل مرة يحاول فيها ألخروج من حالة الإرباك يجد نفسه مواجه بعناوين أخرى يجب عليه الرد عليها.. هذه المطاردة للعقل تحدث عندما يتحكم خصمك على الأوراق السياسية.. في الورشة التي كانت قد عقدت في بورسودان بهدف كيفية تطوير و إصلاح الخدمة المدنية، قال البرهان رئيس مجلس السيادة في كلمته نحن نطالب القوى السياسية أن تتوحد و تفعل من دورها لأننا في حاجة إليها..! و هي كلمة تدل على غياب القوى السياسية و عدم فاعليتها.. هذه الرسالة كيف كانت تنظر إليها القوى السياسية؟ و ما كان فهمها لها؟ و في مناسبة أخرى ليست بعيدة عن الأولى قال البرهان أن الحرب سوف تستمر حتى القضاء على أخر متمرد في الميليشيا.. ثم أردف مرة أخرى في حديثه الأخير أننا لا نتفاوض، أو نوقف الحرب حتى القضاء على الميليشيا لكي لا يكون لها دورا سياسيا في المستقبل.. هذا ليس حديثا للإستهلاك السياسي، أنما مرتبط بإستراتيجية الهدف منها هو إعادة تشكيل الساحة السياسية بما يتوافق مع أجندة ما بعد الحرب.. أي تغيير المعادلة السياسية.. و في كلمة مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة الأخيرة قال: بعد وقف الكلاشينكوف أننا في حاجة لعملية تفكير و تصورات جديدة، و أيضا إلي وقع جديد تشكله تلك الأفكار، و في حاجة إلي مصالحات.. البعض أخرج كلمة "مصالحات" من سياقها لكي يجعلها أجندة تدعم خطهم السياسي، و اعتبرها تناقضات في الخطاب، مما يؤكد على الخلافات داخل السلطة الحاكمة.. لكن للأسف أن مالك عقار عندما طرحها كان مدركا لمدلولها السياسي وفقا للسياق الذي قيلت فيه.. هو سوف لن يتضرر منها حتى إذا إعيد تآويلها لخدمة أجندة أخرى، مادام المصطلح سوف يحدث حوله حوارا يبعد الذين آولوه عن التفكير المنطقي.. لآن التآويل سوف يجعل الإرباك عند أصحابه.. القضية الأخرى المكملة لهذه الإستراتيجية: دعوة مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير الذي كان قد عقد في الخرطوم، و دعا إلي حوار سياسي لا يستثنى أحدا، لم يدخل مجلس الوزراء في تفصيل عن هذا الحوار السياسي، مما يؤكد أن مجلس الوزراء يريد أن ينقل العقل السياسي إلي أجندة أخرى مغايرة لسابقتها.. رغم أن هذا العقل السياسي لم يستطيع الإجابة بشكل جوهري على حديث رئيس مجلس السيادة و نائبه.. هنا تحدث عملية الإرباك عندما يتم قذف عدة أجندة في الساحة السياسية مظهرها العام ربما يعتقده البعض تناقضا، و لكن الهدف أن يحدث إرباك في عملية التعاطي معها.. إذاً ما هو المقصود من كل ذلك؟ الهدف منها قد أجاب عليه مالك عقار في كلمته، عندما قال لابد أن يكون هناك واقعا و، تفكيرا جديدا بعد الحرب، تنهي كل الشعارات السابقة و تأتي بشعارت جديدة تحمل الدعوة للبناء و التنمية.. السؤال الذي يفرض نفسه: أين سيعقد الحوار الذي دعا إليه مجلس الوزراء، و لا يستثني أحدا؟ بالضرورة سوف يكون داخل السودان.. و تكون حكومة كامل أدريس قد دعت للحوار و لم تستثني أحدا، لكن الحوار سوف يكون أمام سمع و بصر الشعب السوداني، و هو وحده الذي له الحق في قبول و رفض مشاركة القيادات السياسية التي يجب أن تشارك في الحوار الوطني باعتبارهم يمثلونه و ينيبون عنه.. و تصبح هي الربكة الأخرى، و التي تجعل بعض القيادات أمام امتحان في مواجهة الشعب السوداني.. فالإرتباك سوف يخل بالتفكير.. بعض القوى السياسية تحاول أن لا تتعطى مع تصريحات قيادة الجيش أو مجلس الوزراء، و تعتقد هي وحدها قادرة على خلق أجندتها الخاصة.. لذلك نجد أن المكتب السياسي للحزب الشيوعي أصدر بيانا سياسيا دعا في أحدى فقراته إلي خلق جبهة عريضة يقول في البيان السياسي ( مواصلة النضال لانتزاع الحقوق و الخدمات الضرورية للعيش بكرامة و في خضمه بناء الجبهة الجماهيرية العريضة القاعدية لوقف الحرب و استرداد الثورة و محاكمة كا من اجرم في حق الوطن و شعبه) هي فقرة ثابة في كل بيانات الحزب منذ خروج الحزب في فبراير 2020م من تحالف " قحت" و كان قد سماها من قبل بالتحالف الجذري، و الأن سحب الجذري و اكتفى ب " الجبهة العريضة" لذلك أصبح الحزب خارج المعادلة السياسية، و إلي اسباب عديدة... نجد تحالف" تقدم" الذي انقسم إلي قسمين تكتيكيا " صمود و التأسيسية" و هؤلاء رهانهم كان على ممارسة الضغط الخارجي علي السلطة و الجيش، و لقبول التفاوض مع الميليشيا، في اعتقادهم هي الفرصة الوحيدة التي سوف تعيدهم للساحة السياسية و السلطة.. لكن التغيير الذي حدث في ميزان العمل العسكري، و فرض الجيش سيطرته على أغلبية ولايات السودان ما عدا ولاية في كردفان و دارفور، و نقل الحرب إلي هناك سوف يضيق على هؤلاء فرص التفاوض، و خسارة رافعات الخارجلآن الخارج يبحث عن مصالحه و يدور معها.. و أصبح أمامهم قبول دعوة الحوار الذي لا يستثنى أحدا، و هذه تتطلب تغيير إستراتيجيتهم.. و كل ذلك مرهون بقول الشارع لهم.. أما القوى السياسية المؤيدة للجيش و مساندة له، أغلبية هؤلاء منتظرين الانتخابات و التعينات في الوظائف العليا للدولة، و بعد تعين رئيس للوزراء قد خيب أمالهم، و أمامهم الآن المشاركة في الحوار الوطني، و الاستعداد للانتخابات العامة.. و لا ننسى مؤتمر سنكات للمقاومة الشعبية الذي انتخب متكبه التنفيذي استعدادا لفترة لما بعد الحرب، و المشاركة في الحوار الوطني.. نسأل الله حسن البصيرة..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
زين العابدين صالح عبد الرحمن
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست