لا زالت الحركة الإسلامية تحكم قبضتها على مراكز القرار داخل المؤسسة العسكرية والسياسية رغم محاولات البرهان المحدودة بعزل بعض الإسلاميين من قيادة الجيش مؤخرا مما اعتبره الكثيرون زر الرماد في العين . هذه السيطرة بجانب توجيه مسار الحرب الجارية تمتد ايضا لتشكّل خطراً هيكلياً يهدد استقرار السودان ، وينعكس مباشرة على الأمن القومي المصري والتوازن الإقليمي بأكمله . فوجود قيادات موالية للتيار الإسلامي داخل الجيش يُضعف مهامه الدستورية في حماية وحدة البلاد ، إذ تتحول الأولويات من الحفاظ على الدولة إلى خدمة أجندة أيديولوجية . كما أن اختراق المؤسسة العسكرية بولاءات حزبية أدى إلى إضعاف تماسكها الداخلي ، وخلق ثغرات داخل المؤسسة العسكرية نفسها .
هذا الوضع يضع مصر أمام تحديات متزايدة ، خاصة أن حدودها الشرقية أصبحت أكثر عرضة لاختراق جماعات مسلحة تجد دعماً ضمنيّاً من الحركة الإسلامية ، بينما يتأثر ملف سد النهضة بإبتزاز الإسلامين مما يعطل أي تنسيق جاد بين القاهرة والخرطوم . وفي الإقليم يعزز النفوذ الإسلامي فرص التحالف مع تركيا وقطر ، وهو ما يقوض الدور المصري ويضعف شبكة نفوذه في أفريقيا والشرق الأوسط ، إلى جانب أنه يثير قلق دول الخليج المعادية لمشروع الإسلام السياسي كالسعودية والإمارات . أما على المستوى الاقتصادي ، فإن استمرار الحرب مع وجود الإسلاميين في القرار يهدد المشروعات الثنائية بين مصر والسودان مثل الربط الكهربائي والممر الملاحي ، كما يجعل من النيل ورقة ضغط إضافية بيد إثيوبيا .
إزاء هذه التحديات ، تتحرك القاهرة وفق مزيج من الأدوات الأمنية والسياسية والاقتصادية . فهي تسعى لدعم المكونات التقليدية في الجيش السوداني عبر التدريب والتنسيق الأمني ، مع تكثيف العمليات الاستباقية على الحدود . سياسياً ، تضغط مصر على شركائها الدوليين لربط أي دعم للسودان بضرورة تقليص نفوذ الإخوان ، مع توسيع التواصل مع القوى المدنية السودانية المعارضة للحركة الإسلامية ، وفي المجال الاقتصادي ، تعمل القاهرة على توجيه استثماراتها في السودان كورقة ضغط ، إلى جانب تنسيق أوسع مع دول الخليج لتقليل اعتماد الخرطوم على الدعم التركي–القطري .
أما مستقبل الأوضاع فيرتبط بعدة مسارات محتملة . فاستمرار الإسلاميين في السيطرة وسط الحرب قد يقود السودان إلى مزيد من العزلة الدولية ، ويضاعف الأعباء الأمنية على الحدود المصرية . بينما قد ينجح الضغط المصري والإقليمي في تقليص نفوذهم عبر إعادة تشكيل موازين القوة داخل الجيش أو عبر تجفيف قنوات تمويلهم . وفي حال استمرار حالة التوازن الهش ، قد تضطر الحركة الإسلامية إلى تقديم تنازلات تحت الضغوط دون أن تفقد موقعها بالكامل .
في النهاية ، فإن الحرب الجارية في السودان لا يمكن فصلها عن صراع النفوذ داخل المؤسسة العسكرية ، حيث يظل التيار الإسلامي عاملاً حاسماً يحدد مسار البلاد ويؤثر على المصالح المصرية والإقليمية . ويصبح نجاح القاهرة في مواجهة هذا التحدي مرهوناً بقدرتها على المزاوجة بين أدوات القوة الناعمة وخيارات الردع الأمني ، مع التنسيق الوثيق مع الشركاء الخليجيين والدوليين لاحتواء الدور التركي–القطري الذي يجد في الأزمة السودانية فرصة لتعزيز حضوره .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة