في لحظة تاريخية كانت تتطلب وضوحاً أخلاقياً وانحيازاً جذرياً للشعب، إختارت قيادة الحزب الشيوعي السوداني الإنحياز لمعسكر قوى الردة والظلام بقيادة مجرم الحرب البرهان. هذا الحزب، الذي نشأ أصلاً لمحاربة الكهنوت الديني وتفكيك منظومة الإستغلال الطبقي، وجد نفسه اليوم متحالفاً عملياً مع الكيزان القتلة الأشرار. الحزب العجوز لم يعد يمثل صوت الكادحين، بل صوت البرجوازية والقوى الطفيلية، يرفع شعارات الثورة بينما يُعيد إنتاج علاقات الهيمنة. الواقع السوداني اليوم يُجسد حالة من التناقض البنيوي، تجلت في موقف قيادة الحزب الشيوعي المنحاز للكهنوت الديني الذي كان يُبرر الإستغلال الطبقي في صورته السودانية البائسة التي يمثلها الفلول. قيادة هذا الحزب لم تكتفِ بالانحراف النظري، بل شاركت فعلياً في مؤسسات نظام الإنقاذ المجرم، وكانت تتلقى مرتباتها من ذلك النظام الذي كان يسرق أموال الشعب بلا حسيب أو رقيب. لذلك، ليس غريباً أن تتحالف مع الكيزان والمرتزقة والإرهابيين بعد الثورة، في مشهد كشف بوضوح أن الحزب الشيوعي لم يعد منحازاً للفقراء، بل بات عملياً في صف الطبقة الطفيلية التي تمثلها الحركة الظلامية التي تسمي نفسها بالإسلامية. ورغم أن النظرية الماركسية قامت على محاربة الكهنوت الديني وتفكيك منظومة الاستغلال الطبقي، فإن الحزب الشيوعي السوداني، الذي يُفترض أنه وريث هذا المشروع التحرري، بات يتجاهل جوهر الماركسية ومنطق المادية الجدلية. فبدلًا من تحليل الواقع عبر أدوات الصراع الطبقي، إختار الحزب أن يُقدّم تبريرات زائفة للأزمة الوطنية، تبريرات تُغطي على تحالفه العملي مع قوى الردة والظلام، وتُعيد إنتاج خطاب يخدر الوعي ويضلل الجماهير. هذا التناقض ليس مجرد خطأ تنظيري، بل خيانة معرفية وأخلاقية. في المنهج الماركسي، الصراع الطبقي هو المحرك الأساسي للتاريخ، ويتمثل في التوتر البنيوي بين البرجوازية المالكة لوسائل الإنتاج، والبروليتاريا التي لا تملك سوى قوة عملها. هذا الصراع لا يُدار بالشعارات، بل بالإنحياز العملي لمن يُستغلون يوميا في دورة رأس المال. لكن قيادة الحزب، بدلاً من أن تُجسد هذا الإنحياز، تموضعت اجتماعياً وثقافياً داخل الطبقة التي حذر منها ماركس نفسه. لقد تحوّلت إلى نخبة برجوازية تتحدث باسم الفقراء، بينما تعيش في إنفصال تام عنهم. وهنا تلتقي نظرية ماركس مع جوهر الدين، لا في الشكل بل في المضمون. فكلاهما، في أصله، دعوة لتحرير الإنسان من الاستغلال والهيمنة. النبي محمد ﷺ، في تجربته الثورية بمكة، واجه سادة قريش وزعماءها الذين احتكروا المال والسلطة، واستغلوا عبادة الأصنام لتكريس امتيازاتهم الطبقية. دعوته لم تكن مجرد دعوة روحية، بل مشروعاً اجتماعياً وأخلاقياً يُعيد الاعتبار للفقراء والمهمّشين، ويُزعزع بنية الاستغلال الطبقي التي قامت عليها مكة. لقد كان رفض قريش لدعوته دفاعاً عن مصالحهم، لا عن عقيدة، لأن جوهر الصراع كان مادياً، وسيظل كذلك، وإن غلف لاحقاً بخطاب ديني لتبرير الهيمنة. لكن الإنحراف عن جوهر التحرر لم يكن حكراً على قيادة الحزب الشيوعي السوداني. تجارب الحكم التي رفعت راية الماركسية في القرن العشرين أثبتت أن الشعارات لا تصنع العدالة. الإتحاد السوفيتي إنهار تحت وطأة البيروقراطية والإنفصال عن الجماهير. كوريا الشمالية إختزلت الإشتراكية في عبادة الفرد، وحوّلت البروليتاريا إلى عبيد في خدمة السلالة الحاكمة. أما إريتريا، فتحوّل أسياسي أفورقي من ثائر إلى طاغية، يُدير البلاد كمعسكر إعتقال، ويُحارب أي توجه نحو الديمقراطية والإنفتاح. تحالف أسياسي أفورقي مع فلول النظام السوداني ليس استثناء، بل نموذج لإنتهازية الأنظمة التي تخشى الحرية، وتُعادي الديمقراطية، وتُفضل الفوضى على الحكم المدني الديمقراطي. هذه الأنظمة والتنظيمات، مهما إختلفت شعاراتها، تتوحد في جوهرها: لأنها تعيش على الأكاذيب والخداع، وتعمل بكل ما لديها من مكر ودهاء لإدامة الإستبداد، وتبرر الظلم بأسم الثورة أو الدين أو الأمن... كما فعل مجرم الحرب البرهان الذي قطع مسار التحول المدني الديمقراطي، ودمّر الوطن باسم "حرب الكرامة". لقد سقط الحزب الشيوعي السوداني في مزبلة التاريخ نتيجة لمسار طويل من التواطؤ والإنفصال عن نبض الجماهير. لم يسقط لأنه أخطأ، بل لأنه خان. لم يفشل لأنه لم يفهم، بل لأنه رفض أن ينحاز. والتاريخ لا يرحم من يتخلى عن مبادئه في لحظة الحقيقة. أخيرا نؤكد: لا مخرج من الأزمة الوطنية في السودان إلا بالتحلي بالصدق، والنزاهة، ونكران الذات، والإنحياز الكامل للعقل الذي يحرر الإنسان من الأوهام، والتضليل، والنفاق الذي تمارسه قوى الردة والظلام، ويُعيد بناء الوطن على أسس المعرفة، والوعي، والحرية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة