يُفترض أن يكون الاختلاف في الرأي ظاهرة صحية تعبّر عن التنوع الفكري والثقافي، وأن يقود إلى إثراء الحوار وفتح آفاق جديدة للفهم والتقارب. لكن الواقع السوداني كثيرًا ما يعكس صورة مغايرة، حيث ينقلب الحوار إلى خصام، ويتحوّل النقاش إلى تراشق بالألفاظ الجارحة، وأحيانًا إلى قطيعة وحقد دفين. فما السبب؟
1- ثقافة “الرأي الواحد”
يرتبط الأمر بتاريخ طويل من غياب ثقافة التعددية وقبول الآخر. نشأ الكثير من السودانيين في بيئة ترى أن الحق مطلق مع الفرد أو الجماعة التي ينتمي إليها، بينما الرأي المخالف يُعتبر تهديدًا أو استهزاءً، لا مجرد اجتهاد مختلف.
2- أثر السياسة والانقسامات
الأزمات السياسية التي عاشها السودان لعقود غذّت الانقسامات، ورسّخت خطابًا إقصائيًا. فبدلًا من بناء ثقافة حوارية، ورث الناس لغة العداء والشيطنة، فصار من السهل أن يتحوّل النقاش حول قضية عامة إلى ساحة تبادل للشتائم.
3- ضعف التربية على الحوار
في المدارس والبيوت لم يتم التركيز على تعليم مهارات الحوار: الإصغاء، احترام الرأي المخالف، والنقد البنّاء. النتيجة أن الفرد يلجأ مباشرة إلى السخرية أو التحقير إذا لم يجد ما يقنع به الآخر.
4- تأثير وسائل التواصل الاجتماعي
الفضاء الرقمي زاد من حدة الظاهرة. فالشاشات منحت الناس حرية مطلقة بلا رقيب، وسهّلت استخدام الكلمات البذيئة دون تفكير في أثرها، مما عمّق ثقافة "التجريح" بدل النقاش الموضوعي.
5- الحاجة إلى وعي جديد
السودان بلد غني بتنوعه الثقافي والاثني والفكري، ولا يمكن أن ينهض إلا عبر ثقافة تقبل التعدد والاختلاف. المطلوب اليوم هو إرساء قيم التسامح، تعزيز التربية على الحوار، وتشجيع الإعلام والمؤسسات التعليمية على نشر خطاب احترام الرأي الآخر.
الاختلاف ليس جريمة، بل هو طبيعة بشرية. لكن تحوّله إلى كراهية وعداء يهدد نسيج المجتمع ويعرقل بناء المستقبل. الحل يبدأ من الفرد، حين يدرك أن احترام المخالف لا ينتقص من مكانته، بل يرفعها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة