لم يبلغ د. الهادي إدريس بعد الخامسة والأربعين، لكنه يجمع صفاتٍ قلّ أن تجتمع في قائد سياسي وعسكري في زمن الحرب. فهو رجل متواضع في طباعه، أنيق في ملبسه، ملتزم بغذاء صحي وانضباط شخصي يعكس توازنه الداخلي وصلابته. توثقت معرفتي به حين أجريت معه حواراً ضمن سلسلتي «سمح الكلام في خشم سيدو» قبل أكثر من عام. ومنذ ذلك الوقت، امتدت المعرفة إلى صداقة ونحن نصنع معاً مشروع التأسيس.
كنا نلتقي بانتظام في صالات الرياضة، ونتمشى أحياناً كيلومترات في شوارع نيروبي. هناك عرفت فيه الإنسان الباحث الدؤوب، والدارس المثابر، كما رأيت فيه القائد العسكري المحنك، ليس فقط لقواته الميدانية، بل أيضاً للحركات المسلحة الموقعة على سلام جوبا. هذا الجانب الإنساني يفسر صلابته ورصانته حين يواجه الأسئلة الصعبة، ويقدم إجابات دقيقة وهادئة.
وقد برز ذلك جلياً في لقائه الأخير مع الإعلامي أحمد طه على قناة الجزيرة. في ذلك الحوار، أرسل الهادي إدريس رسائل متعددة الاتجاهات:
١. رسائل حول القيادة والوحدة أكد أنه التقى حميدتي قبل أسبوع، وأن الأخير سيظهر قريباً في مناسبة هامة، مذكراً بظهوره مع قواته في جنوب دارفور قبل أسبوعين. لم يكن ذلك مجرد خبر، بل رسالة مقصودة لإثبات وحدة القيادة داخل حكومة التأسيس ونفي الشائعات التي يروّجها الخصوم.
٢. رسائل إلى المدنيين شدّد على أن غالبية سكان الفاشر خرجوا إلى طويلة وما حولها، وأن جهود الإغاثة يجب أن تركز عليهم، كما دعا من تبقى من المدنيين في الفاشر إلى المغادرة نحو طويلة مع ضمان سلامتهم. هنا أراد أن يظهر كسلطة مسؤولة لا عن الحرب فقط، بل عن حماية المدنيين وتنظيم الإغاثة.
٣. رسائل إلى الجيش رحّب بأي محادثات جادة مع الجيش، ودعا القوات المتبقية في الفاشر إلى وضع السلاح والخروج الآمن نحو الدبة مع ضمان سلامتهم. بهذا طرح خياراً واقعياً وعاقلاً: الاستسلام الآمن بدلاً من القتال حتى النهاية.
٤. رسائل سياسية أوسع أعلن بوضوح أن حكومة التأسيس ستحل نفسها بعد أي اتفاق سلام مع الجيش، نافياً في الوقت نفسه أنهم يعملون على انفصال دارفور. أراد بذلك أن يضع نفسه وحكومته في خانة الطرف الوطني لا الإقليمي أو الانفصالي، ليكسب الشرعية الداخلية ويكسر سرديات خصومه.
الخلاصة حفي شخصية د. الهادي إدريس تلتقي الصرامة بالمرونة، والعسكرية بالمدنية، والجدية بالهدوء. في حديثه الأخير لم يكن مجرد قائد عسكري يبعث برسائل حرب، بل كان أيضاً رجل دولة يطرح ضمانات للمدنيين ويفتح الباب لتسوية سياسية. بين الرياضة في شوارع نيروبي وحوارات السياسة في استوديو الجزيرة، يظل الهادي إدريس مثالاً للقائد الذي يجمع بين الإنسان والسياسي، بين الصداقة والقيادة، وبين الحلم الوطني والقدرة على صناعته.
د. أحمد التيجاني سيد أحمد عضو مؤسس في تحالف تأسيس ٢٥ أغسطس ٢٠٢٥ – روما، إيطاليا
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة