أن الحرب الدائرة في السودان تعتبر أكبر رمزية للأزمة السياسية في السودان، و تبين أن الوصول لقرار استخدام السلاح من أجل وضع حلا للأزمة السياسية، كان سببه قصورا في العقل السياسي.. و فشله في انجاز الأجندة التي كانت مطروحة قبل الحرب. كان لابد أن تتغير الأجندة بعد دخول السلاح كأداة لحل أزمة فشل العقل السياسي، أن تغيير الأجندة سوف تدخل رموز جديدة في الساحة، حيث ظهرت المقاومة الشعبية و المستنفرين و أيضا كتائب أخرى، هؤلاء يشكلون الآن واقعا جديدا في الساحة السياسية لا يمكن تجاوزه، و بالتالي هؤلاء سوف يكون لهم أثرا كبيرا في أجندة ما بعد الحرب.. عندما وقع انقلاب الجبهة الإسلامية في 30 يونيو 1989م، و ذهبت الأحزاب للتحالف مع الحركة الشعبية، و تم تكوين " التجمع الوطني الديمقراطي" فرضت الحركة أجندتها على القوى السياسية المتحالفه معها بإن السلاح هو أسلم طريقة لإسقاط نظام الجبهة الإسلامية القومية.. و عندما دخلت الحركة الشعبية في حوار مع الإنقاذ في " نيفاشا" و وصلت لتفاهمات مع الإنقاذ.. تخلت القوى السياسية " في التجمع الوطني" عن السلاح مما يؤكد أن الحركة كانت هي التي لها اليد العليا في تحديد أهداف التحالف.. و تغيرت الأجندة تماما و انقسم التحالف و ظهر تياران " نداء السودان و قوى الاجماع الوطني" كل كان له أجندة تختلف عن الأخر.. الأمر الذي يبين أن الأحداث و المتغيرات في الصراع تحدث تلقائيا تغييرا في الأجندات، و تبرز قيادات جديدة.. جاءت الثورة غابت العديد من القيادات القديمة، و ظهرت قيادات جديدة بأجندة جديدة.. حتى القيادات العسكرية القديمة اختفت من المشهد السياسي و برزت قيادات جديدة.. الأمر الذي يؤكد أن الأحداث و التغييرات على الأرض، هي التي تحدث تغيرات في الأجندة، و أيضا تغيير في الساحة السياسية قد تؤدي إلي بروز قيادات جديدة تطرح أجندة مخالفة عن السابقة.. الملاحظ أيضا أن هناك إرباكا يحدث للعقل السياسي، تجعله لا يعترف بأن التغييرات التي تحدث في المجتمع قد تؤدي إلي بروز قيادات جديدة.. هذا الإرباك تحدثه المصالح الحزبية أو الشخصية، و التي لا تريد أن تعترف بقصورها.. لذلك تجدها تتمسك بأجندتها القديمة حتى لا تعترف ضمنيا بالفشل.. لذلك تجد أغلبية هؤلاء يتحدثون أنهم يريدون إكمال مسار الثورة، و أنهم متمسكون بخيارات الثورة و أجندتها.. رغم أن الثورة أكملت أجندتها بسقوط النظام.. و أجندة ما بعد السقط ليست هي أجندة الثورة، أنما هي أجندة القوى السياسية التي تولت عملية انجاز أجندة ما بعد إسقاط النظام.. أن فشل العملية السياسي، و عملية التحول الديمقراطي، هي ليست مسؤولية الثورة، أنما مسؤولية القوى السياسية التي صعدت على قمة الهرم.. فالدعوة لإنجاز مشروع الثورة تصبح هي ثورة جديدة و ليستثورة ديسمبر التي أنجزت مهمتها.. هؤلاء الذين يحاولون أن يرجعوا العملية السياسية إلي 2019م، يؤكدون أنهم يريدون تغبيش الحقائق لمصالح ليس لها علاقة بالجماهير، انما أجندة خاصة إذا كانت حزبية أو فردية.. فالعقل السياسي الذي فشل في تقديم مشروع سياسي للشارع بعد إسقاط الإنقاذ طوال الفترة الانتقالية التي حكمها، هو نفسه العقل الذي عجز عن إدارة الأزمة، و التغلب على التحديات و أوصل البلاد لمربع الحرب.. لذلك نكرر نفس المقولة التي كانت تكرر على ألسنتهم لا يمكن تجريب المجرب.. القضية الأخرى التي لم يقبلها العقل المستلب سياسيا.. أن المستنفرين و المقاومة الشعبية هؤلاء يمثلون قوى مدنية مستقلة، و منهم من ينتمي إلي أحزاب، و منهم من ينتمون إلي شباب المقاومة، و منهم مستقلين، كل هؤلاء حملوا السلاح دفاعا عن الوطن ضد الأطماع الدولية الداعمة للميليشيا، و عندما تتوقف البندقية سوف يرجعون إلي أعمالهم و جامعاتهم و حقولهم، هؤلاء بالضرورة تكون البندقية قد خلقت عندهم وعيا جديدا، لذلك سوف يكون لهم تدخل في تشكل الوعي الجديد في المجتمع.. و ألان بدأ يبرز ذلك من خلال المقاومة الشعبية في ولاية الجزيرة و سنار و النيل الأبيض و النيل الأزرق و الشماليو و نهر النيل و الخرطوم و شرق النيل و بعد قليل سوف تنسحب على ولايات كردفان و دارفور.. هؤلاء الشباب هم الذين يقومون بالخدمات في تلك المناطق بهدف إرجاع المواطنين لديارهم، هؤلاء هم الذين يقومون بالنظافة و إزالة أثار الحرب في المناطق التي خرجت منها الميليشيا و يخدمون من أجل نجاح التكايا لإطعام المحتاجين.. هذا الدور سوف يشكل الوعي السياسي ما بعد الحرب... أن المدنية لا تعني تيارا بعينه يكون مدعوما من حزب أو أحزاب بعينها، أو فئة تحاول أن تجعل من نفسها ذات مقدسة، المدنية هي البناءات التنظيمة التي تشكلها الجماهير و المجتمعات دون وصاية من تنظيم سياسي أو عسكري، أو سلطة حكومية، و القيادات المدنية تبرز من خلال العمل الجماهير و الاجتماعي، و هي التي سوف يكون مناط بها أن تنتج الثقافة الديمقراطي من خلال ديمقراطية عملها و الحوار الذي تجريه فيما بينها.. و هي القادرة أن تقدم أجندة واضحة لا تغطي بالأجندة الذاتية.. فالقيم و الثقافة التي تتخلق من خلال القواعد الشعبية تنداح على كل قطاعات المجتمع مدنية و عسكرية.. و هؤلاء هم القادرين أن يخرجوا المجتمع من تنازعات المصالح الضيقة إلي القضايا الوطنية.. حتى تصبح العلاقة بين المدنيين و العسكريين علاقة تناغم يحكمها الدستور و القوانين، و ليس علاقة تنازع من فوق المنابر السياسية و كلها وعيد.. البلاد في حاجة لإحداث تغييرات جوهرية يقودها الفكر النير للبناء و النهضة، و ليس شعارات جوفاء لا تعلم الناس غير الهتاف دون الوعي السياسي.. الحرب فرضت على الأجيال الجديدة أن تضع الوطن في مرحلة تخلق جديد، في الدعوة إلي السلام الاجتماعي ، و رتق النسيج الاجتماعي، و تربية وطنية تعلو من شأن الوطن على البناءات الأولية، و التمسك بعاداتنا و تقاليدنا و قيمنا.. أن مرحلة ما بعد الحرب سوف تبرز أجندة جديدة و قيادات جديدة و فكر جديد و ثقافة جديدة .. و نسأل الله حسن البصيرة..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة