تابعت تسجيلا نشرته شبكة رصد عن مجادلة حول مبادرة تحالف ومشروع حكومة تأسيس المقترحة، تمت بين الدكتور النور حمد والأستاذ فيصل محمد صالح، وهي في تقديري مساهمة جديرة بالمتابعة والاهتمام، لأنها تجيب على الكثير من الأسئلة التي تشغل الرأي العام، وخاصة حول ما يتعلق بموقف الدكتور النور حمد وتأييده الغريب لهذا التحالف وللدعم السريع، الذي وصفه مقدم البرنامج نقلاً عن جمهور المتابعين المستغربين مثلي بأن المفكر المعروف الدكتور النور قد أوشك أن يصبح ناطقاً باسم الدعم السريع، أو كما قال! وقد لفتت نظري في هذه المجادلة بضعة نقاط في غاية الأهمية ذكرها الأستاذ فيصل في رده على حجج الدكتور النور، مثل تذكيره بأن انتهاكات واعتداءات ميليشيات الدعم السريع على ملايين الأبرياء من المواطنين السودانيين، ليست مجرد بضعة تجاوزات ارتكبتها قوات الدعم السريع مثلما ارتكبت مثلها الجيوش المختلفة في الحروب الأخرى، مثل الجيش الأمريكى في العراق، بل هي ممارسة منهجية واسعة الانتشار، مارستها ولا تزال تمارسها مليشيات الدعم السريع في جميع المناطق والولايات والمحافظات التي خضعت لسيطرتها، وليس لدينا ما يجعلنا نراهن على أنها ستغير هذه المنهجية إذا آلت لها السلطة والسيطرة مرة أخرى. ومما أثار حيرتي في بعض ردود الدكتور النور على فيصل قوله بأن حميدتي قد أعلن توبته عن كل الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها ميليشيات الدعم السريع، فلماذا لا نقبل توبته، ولماذا لا يؤيد المدنيون مبادرة تأسيس والتحالف معه، حتى يعينوهم على تسديد وضبط ممارساتهم، ليصبحوا أكثر ديمقراطية، خاصة وأنهم قد اعترفوا بأنهم لا يملكون الكوادر البشرية المؤهلة في مجالات الممارسة السياسية الديمقراطية، أو كما قال. وأنا هنا أحاول أن أقدم مساهمتي في التعقيب على هذه النقطة. الشيء الذي لا نختلف حوله هو حقيقة أن باب التوبة مفتوح لكل تائب، ولكن التوبة النصوح هي التوبة الخالصة من الذنوب والرجوع إلى الله، ولها شروط أساسية، وهي: الإخلاص لله، والندم على فعل الذنب، والإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم العودة إليه. وإذا كان الذنب يتعلق بحق آدمي، فيجب رد المظالم إلى أصحابها أو طلب العفو منهم. وقد يقول قائل إننا قد لا نستطيع الجزم على مدى جدية وصدق التزام حميدتي ببعض الشروط، مثل شروط الرجوع إلى الله، والإخلاص لله، والندم على فعل الذنب، والعزم على عدم العودة إليه، ولكن يمكننا بالتأكيد أن نستوثق من صحة التوبة ومدى صدق حميدتي عند تطبيقنا لمعيار الشرط الأخير، الذي يتعلق برد المظالم إلى أصحابها أو طلب العفو منهم. فهل حرص حميدتي على رد كل أو بعض هذه المظالم، من مئات الآلاف من السيارات التي نهبتها ميليشياته بصورة منهجية استمرت لحوالي السنتين، أو حرص على تعويض ملايين السودانيين الذين أخرجتهم ميليشيات الدعم السريع من بيوتهم وأقاموا فيها ودمروها طوال هذه الفترة؟! الإجابة بالتأكيد: كلا وألف كلا! ولو كان حميدتي يهتم حقيقة بمعاناة ملايين الأبرياء من ضحايا انتهاكات ميليشياته، أو كانت عنده بصيرة سياسية، ألم يكن بوسعه، على سبيل المثال، أن يخرج عشرة ملايين دولاراً من مدخراته المليارية، التي حصل عليها من عائدات ذهب السودان المهرب، ليوزعها كتعويضات على مائة ألف من الضحايا، بواقع عشرة آلاف دولار لكل ضحية، جبرا للضرر، وتخفيفاً لتراكم مشاعر الغضب الشعبي والكره ضده وضد ميليشياته، حتى يسهل تصديقنا لمزاعم إعلان توبته؟! ما الذي منعه من أن يفعل مثل هذا إذا كان صادقا في إعلان توبته وحرصه على رفع معاناة الملايين من المواطنين الذين سقطوا ضحايا لانتهاكات ميليشيات الدعم السريع إبان هذه الحرب؟! لقد تابعنا من قبل التقارير التي أكدت بأن حميدتي قد وزع أربعمائة سيارة برادو جديدة على زعماء العشائر والقبائل، طمعا في كسب تأييدهم وتعاطفهم أول ظهوره كنائب للبرهان بعد تشكيل حكومة الوثيقة الدستورية، وهم بالتأكيد لا يستحقون هذه الرشوة، وقد حملت التقارير أنه عندما أدرك هذه الحقيقة، أمر باسترداد جميع السيارات منهم، فما الذي يمنعه أن يدفع التعويضات للضحايا، على الأقل، حرصاً على كسب تأييدهم، وهم يستحقون؟ ومن بين النقاط التي أثارها الدكتور النور ما يردّد كثيرا من مؤيدي تحالف تأسيس بأن حميدتي قد اعتذر عن مشاركته فى الانقلاب وأعلن انحيازه إلى الثورة والتحول الديمقراطي، وتأييده للاتفاق الإطاري. ولكن ما يجدر ذكره هنا هو أن حميدتي قد اشترط عند تأييده للاتفاق الإطاري أن يتم دمج ميليشياته في الجيش خلال فترة تتراوح بين العشر والعشرين سنة! فهل بربكم يعبر هذا الشرط عن رغبة حقيقية في التحول الديمقراطي؟! وهل يمكن أن يحدث هذا التحول الديمقراطي مع احتفاظ حميدتي بكامل مليشياته لمدة عشر أو عشرين سنة؟! أو هل يمكن لعاقل أن يتصور أنه سيرضخ لحكم القضاء المدني ليتحمل المسؤولية عن الجرائم، مثل مشاركة ميليشياته في كارثة فض الاعتصام، التي يقر الدكتور النور بمشاركة ميليشيات الدعم السريع فيها؟! ولعل من أغرب ما قاله الدكتور النور في هذه المجادلة هو تساؤل عن خوف المترددين في تأييد تحالف تأسيس من التلوث! وسبب استغرابي هنا هو: لماذا لا بخشى المفكر الذي يحترم نفسه ويحترم تاريخه من التلوث الذي يجلبه تأييده لواحد من أكبر القتلة والسفاحين والكذابين الذين عرفناهم في التاريخ الحديث؟! هذا قليل من كثير يستحق التعليق، ولكني أخشى أن يطول تعقيبي هذا، وستجدون أدناه رابط هذه المجادلة: facebook.com/share/v/1LnQDCYNYg/؟mibextid=wwXIfr
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة