منذ أن أطاحت الثورة السودانية بنظام البشير، بدأت قوى إقليمية ودولية في إعادة تشكيل المشهد السوداني بما يخدم مصالحها. وفي قلب هذا التشكيل يقف عبد الفتاح السيسي، الذي لطالما قدّم نفسه كخصم للإخوان المسلمين في مصر، لكنّه يحتضنهم في السودان عبر شريكه في الخراب، مجرم الحرب عبد الفتاح البرهان. هذا التناقض ليس غريباً، بل يكشف أن العداء للإخوان لم يكن يوماً مبدئياً، بل وظيفياً. فحين يخدمون مصالح نظام السيسي في السودان، يُعاد تدويرهم كأدوات لا كخصوم. الكيزان، الذين لم يتعلموا من سقوطهم، عادوا بنفس الشهوة للسلطة، ومستعدون للتحالف مع الشيطان الرجيم من أجل القضاء على مكتسبات ثورة ديسمبر المجيدة. ومن أبرز مكاسب الثورة توسيع دائرة المعرفة وتعميق الوعي والإيمان بالحرية. الكيزان لا يحبون الحرية، لأنهم أناس فاسدون في فكرهم وسلوكهم. يستخدمون الدين كشعارات فقط، لكن المحرك الأساسي لهم حبهم للمال والسلطة والفساد، وهذا جعل منهم عملاء في سوق النخاسة العالمي. وقد غاب عنهم أن الأنظمة التي يخدمونها هي نفسها أدوات في يد قوى كبرى تعيد تشكيل المنطقة وفق مصالحها، لا وفق كرامة شعوبها.
كما تقول الحكمة السودانية: "التسوي كريت في القرض تلقاه في جلدها." وهذا ما يعيشه الكيزان اليوم: يدفعون ثمن خيانتهم للثورة وثمن تحالفهم مع من لا ولاء له إلا لأسياده. لو اعترف الكيزان بأخطائهم وتركوا الثورة تمضي، لكان السودان اليوم في موقع مختلف تماماً. لكنهم اختاروا أن يكونوا خنجراً مسموماً في خاصرة التغيير، طعنوا الثورة من الداخل خوفاً من دولة القانون والمؤسسات التي ستحاسبهم على استبدادهم وفسادهم وظلمهم. الثورة السودانية كانت لحظة نادرة من الوعي الجمعي، لكنها واجهت تحالفاً من الداخل والخارج: من فلول النظام السابق في الداخل، وأنظمة إقليمية ودولية تخشى يقظة الشعب السوداني ونهضته. سيطرة الإسلاميين على مفاصل الجيش ليست جديدة، لكنها اليوم تواجه تحديات من السيسي نفسه، الذي يرى فيهم خطراً مستقبلياً رغم استخدامهم المرحلي. خلايا الكيزان داخل الجيش قد تحاول التحرك، لكن اللعبة أكبر منهم، وأكبر من السيسي ذاته. السيسي، رغم كونه مجرد عميل، لا يثق فيه أحد، ولا هو يثق في أحد. فهو ينفّذ أوامر أسياده الذين يتحكمون في قراراته وتوجهاته. لذلك يستخدم الكيزان كما استخدم إخوان مصر من قبل، ثم يرميهم حين تنتهي صلاحيتهم. "سيدي بسيدو" — مثل شعبي يختصر المشهد هذا المثل الشعبي يختصر كيف يُستخدم التابعون لخدمة أسيادهم، دون إدراك أنهم مجرد أدوات مؤقتة. الكيزان، في سعيهم المحموم نحو السلطة، أصبحوا عبيداً لأجندات خارجية، وسيُرمون حين تنتهي صلاحيتهم. السودان ليس للبيع، والثورة ليست نزهة، والشعب السوداني لن يقبل أن يُدار من القاهرة أو تركيا أو الدوحة. فكما قالها الثوار في شوارع الخرطوم ومدن السودان المختلفة: "حرية، سلام، وعدالة... والدولة المدنية خيار الشعب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة