أم سعونة: ذاكرة الريف الحيّة حين كانت التربية عملاً جماعياً (الجزء السادس) كتبه د. الهادي عبدالله إ

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 08-26-2025, 11:14 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-23-2025, 01:58 PM

د. الهادي عبدالله ادريس ابوضفائر
<aد. الهادي عبدالله ادريس ابوضفائر
تاريخ التسجيل: 09-05-2017
مجموع المشاركات: 75

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أم سعونة: ذاكرة الريف الحيّة حين كانت التربية عملاً جماعياً (الجزء السادس) كتبه د. الهادي عبدالله إ

    01:58 PM August, 23 2025

    سودانيز اون لاين
    د. الهادي عبدالله ادريس ابوضفائر-UK
    مكتبتى
    رابط مختصر





    في عام 1957م، حين كان الخريف يكسو الأرض ببساطه الأخضر، وتفيض رهد حراف وتوكاية الدقيش ورهد فاطنة بت شمو بالمياه العذبة، ويمتد عبير الزهور البرية مع نسيم المساء، وُلد في قلب أم سعونة حدث بدا كأنه انفتاح نافذة على عالم آخر. افتتاح المدرسة الصغرى. لم تكن القرية آنذاك مجرد نقطة على الخريطة، بل ذاكرة حية تمشي على أقدام أهلها، تحمل في طياتها قصصهم وذكرياتهم، وتُعيد للحياة نغمة الطفولة والفرح والفضول.

    كانت القرية كتاباً مفتوحاً على الطبيعة والناس والذاكرة، تبلدية الدقل شامخة، وبابور تليس يدوّي كنبض الحديد، وجبراكة أم كوموا تنام في حضن الخضرة. وفي مواسم الخريف، يخرج الجميع في رحلات كأنها طقوس للانتماء، يتقاسمون الزاد كما يتقاسمون الحكاية. التربية آنذاك لم تكن عبئاً على بيتٍ واحد، بل روحاً جماعية تمتد بين الحقول والمسجد، وساحة الدلوكة والجراري والطنبور، حيث الفرح حكمة لا ترفاً. وفي عامٍ فارق، نبتت المدرسة الصغرى في قلب القرية كغرسة جديدة في بستان الذاكرة. عند بوابتها وقف الناظر أبو حراز كربّان يفتتح ميناءً للمعرفة، وإلى جانبه معلمون حملوا مصابيح لا كتباً فقط، محمد عمر التوم، عز الدين حسب الله، ومحمد محمود. كانوا يوزّعون شرارات الضوء في عيون الأطفال، ليحوّلوا القرية الصغيرة إلى نافذةٍ على العالم.

    لم يكونوا مجرد معلّمين، بل أنبياء معرفة، يأخذون الأطفال من ظلّ الشجرة إلى سبورة الطباشير، ومن الحكاية الشفاهية إلى الكتاب المكتوب. في باحة المدرسة، ارتفعت الأصوات الطفولية مردّدة، (علمي أنت رجاي)، ثم يجاوبها الريف بنشيد آخر. (يا طير غني غني). لم تكن أغانٍ عابرة، بل إعلاناً عن ميلاد وعي جديد، حيث صار العلم وطناً، والطير حرية، وكأن المدرسة تهمس. لا وطن بلا خيال، ولا خيال بلا وطن. وفي طرف القرية، كان فكي أحمد كدي كدي يفتح للقلوب جسرها الروحي، ينساب صوته عذباً بالقرآن، مذكّراً أن الحروف بلا خلقٍ جافة، وأن العلم إذا لم يُسقَ بماء الإيمان، يبقى بلا حياة.

    تلك الكوكبة أنارت الطريق لأجيالٍ كاملة، فصارت أم سعونة منارةً للعلم والمعرفة، يميزها رابطة الطلاب التي تعاقب على رئاستها الهادي عبدالله إدريس، محمد محمود حماد. ومن بين أبنائها خرج المعلمون: أبوبكر حسبون، عبود خليل، والمربية الحاجة أم دوماكي والأستاذة زهراء عباس؛ والأطباء: عبدالقادر هارون وعبدالله إسماعيل؛ ومن البياطرة: محمد إسماعيل ومحمود صندل؛ ومن القضاة: محمود موسى؛ ومن وكلاء النيابة: الحاج شمو؛ ومن المهندسين: إبراهيم محمد أحمد، آدم صندل، محمود آدم، ومحمود أبكر؛ ومن الاقتصاديين: إبراهيم أبكر سبيل، وعبدالعزيز خليل. ومع اختلاف مجالاتهم وتباعد مدنهم، ظلوا جميعاً يحملون في وجدانهم ذلك اليوم الأول، حين ارتفع العلم في ساحة المدرسة، وصدحت الحناجر بالنشيد، والقرية كلها، مثل طيرٍ مغسول بندى الخريف، حلّقت معًا في سماء جديدة.

    أم سعونة لم تكن قريةً عابرة، بل كانت إعلاناً أن الريف، بذاكرته ورهوُده وأغانيه، قد دخل زمن المدينة دون أن يفقد قلبه الأخضر. كانت ذاكرةً تمشي على قدمين، تحمل في وجدانها أصوات الصغار في باحة المدرسة، وضحكات الرفاق في رحلات الخريف، وهدير المطر على أسقف القش. وكما حمل المعلّمون مشعل النور، حمل شباب التجارة عبء إنعاش الحياة اليومية، محجوب محمد أحمد، وهاشم أبكر، وعلي أحمد، وبخيت أحمد، رجال جعلوا من السوق جسراً يصل القرية بالعالم الأوسع، ويضخ في شرايينها موارد جديدة. وهكذا ظلّت أم سعونة قريةً خضراء القلب، واسعة الأفق، كمدينة صغيرة تنبض بالذاكرة والأمل.

    ولا ننسى السواقين الذين دخلوا ذاكرة أم سعونة بأصوات مكائنهم، كأنها سيمفونية الحداثة الأولى. أبكر الفن، وعبدالماجد، وطلحة عبد النبي بصوت كوز الماكينة، و(كومر سكسيك) الذي بدا مشهداً فاصلاً، نقل القرية من زمن السير على الأقدام والدواب إلى زمن العجلات التي تقرّب المسافات وتفتح الأفق. وفي الساحات، لم تكن الكرة مجرد لعب، بل كانت مسرحاً للشغف والفرح، هناك كان يركض، عقيل وأولاد حسبون،عمر والفاضل، وأولاد عبد النبي، الهادي وبرهوم والطالب، يصنعون من تراب الملعب حكايات الحماسة والانتماء. وعلى المدرجات البسيطة، وقف المشجعون الأوائل، الأستاذ الكبلي، والني عبدالرحمن وسراج محمد إدريس، وأزهري عبد القادر حبيب، وود الجراح، يهتفون بصدق كأنما يحوّلون المباراة إلى عرس جماعي، والملعب إلى مسرح صغير للوطن.

    من الطويشة جاء القامة الأستاذ الكبير محمد يوسف كبر، معلّماً ومديراً، يضبط الإيقاع بين الماضي والحاضر، ويوازن بين العادات الموروثة وخطوط التعليم الحديثة. كان حضوره شاهداً على أن الحكمة ليست في رفض الجديد ولا في نسيان القديم، بل في أن يجد للذاكرة مقعداً بجوار الطباشير، وللرهوُد الخضراء مكاناً إلى جانب دفاتر الحساب. وهكذا لم تكن أم سعونة قريةً عادية على أطراف الريف، بل لوحةً حية تتنفس العلم والثقافة والفرح؛ حيث تتجاور الأناشيد المدرسية مع أصوات الماكينات الأولى، وتتعانق هتافات الكرة مع ترتيل القرآن، وتنساب ضحكات الرحلات إلى الرهوُد جنباً إلى جنب مع همسات الكتب الجديدة. كانت صورة متكاملة، تُجسّد كيف دخل الريف زمن الدولة دون أن يفقد عطر الأرض ولا دفء الإنسان.
    [email protected]























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de