|
سكان السودان القدماء ولغاتهم 5 كتبه د. أحمد الياس حسين
|
11:37 AM August, 22 2025 سودانيز اون لاين احمد الياس حسين-الخرطوم-السودان مكتبتى رابط مختصر
[email protected]
اللغتين المروية والنوبية القديمة ورد ذكر عدد كبير من أسماء القبائل والتجمعات السكانية والمدن داخل حدود السودان الحالية في المصادر المصرية القديمة والمصادر المروية واليونانية والرومانية والأكسومية والعربية على نهر النيل والنيلين الأزرق والأبيض ونهر عطبرة وشرق السودان وغربه. فعلى سبيل المثال نقل بليني عن بيون في القرن الثالث قبل الميلاد أسماء نحو خمسين مدينة، وذكر بطلميوس في القرن الثاني الميلادي أسماء نحو ثلاثين مدينة في السودان. أين تلك المدن ومن كان سكانها؟ وذكر سترابو في القرن الأول قبل الميلاد أسماء ثلاثة عشرة تجمعاً سكانياً في شرق السودان، وفي القرن الميلادي الأول ورد ذكر أسماء سبعة عشرة تجمعاً سكانياً في السودان. (بليني، ص 74 وبطلميوس، ص 162 – 163 واسترابو ص 121 - 123) وذكرت المصادر العربية أسماء نحو ثلاثة عشر قبيلة كبيرة في شرق السودان. (ابن حوقل، ص 72 - 74) ماذا نعرف عن أولئك السكان وماذا كانت لغاتهم؟
ولا نعرف الآن شيئاً عن ذلك الكم الهائل من المدن والتجمعات السكانية ولغاتهم القديمة القليل الذي لا يربو على أصابع اليد الواحدة. كما تكاد معرفتنا في بعض الأحيان بسكان السودان قبل خمسمائة عام فقط لا تتعدى معرفة الاسم فقط كمعرفتنا بالعنج، ذلك الاسم الذي كان لوقت قريب يطلق على مساحات واسعة في السودان، وعلى قطاعات عريضة من السكان، وكان في الداخل يطلق على مملكة علوة. فمن هم العنج؟ وأين هم الآن؟ وماذا كانت لغتهم؟ والشيء المهم الذي ينبغي التوقف معه وإدراكه جيداً هو أن كل أسماء القبائل والتجمعات السكانية المعروفة حالياً لا يتعدى عمرها الخمسمائة عام، ما عدا جماعات قليلة مثل البجة والنوبة.
وقد تناول الموضوع السابق تاريخ اللغات المتخاطب بها حاليا (اللغات الحية)، ويتناول هذا الموضوع لغتين سودانيتين قديمتين منقرضتين هما اللغة المروية واللغة النوبية القديمة وهما اللغتان السودانيتان المكتوبتان وأصلهما واحد وينتميان إلى أسرة اللغات النيلية الصحراوية وينحدران من فرعها الكبير "السوداني الشمالي الشرقي"
اللغة المروية ميلاد اللغة المروية اللغة المروية هي اللغة التي كان يتخاطب بها سكان مملكة كوش الأولى التي كانت عاصمتها كرمة في الألف الثالث قبل الميلاد. ومن الطبيعي أن نطلق على تلك اللغة "اللغة المروية " Ku####icلأن متكلميها هم الشعب الذي عرف في ذلك الوقت بالكوشيين. ولكن بما أنه يوجد مصطلح بهذا الاسم "اللغة المروية " Cu####ic استخدمه العلماء للغات سكان منطقة القرن الأفريقي فان استخدام اسم "اللغة المروية " للدلالة على لغة سكان مملكة كوش قد يؤدي إلى الالتباس. وقد أطلق عبد القا در محمود على لغة الكوشيين اسم اللغة السودانية القديمة. وهذا استخدام معبر وحقيقي ويُخرج من الالتباس بلغات القرن الافريقي. وقد فضلت استخدام أسم "المروية" لأنه تودد أكثر من لغة واحدة قديمة في السودان، إلى جاني أن هذا هو الاسم الذي اشتهرت به.
يرى الباحثون مثل (Trigger 1964; Rilly,2008. 2009. 2012; Dimmendaal, 2010, 2017; Blench 2020 Güldemann. 2022) أن اللغة المروية تنتمي إلى اللغة السودانية الشمالية الشرقية التي تفرعت من أسرة اللغة النيلية الصحراوية. وقد ارتبطت نشأت اللغة السودانية الشمالية الشرقية بوادي هور كما برى كلود ريلي (Rilly, 2008. 2009) أو المنطقة الواقعة شماليه كما يرى ديماندل (Dimmendaal, 2007). ووفقاً لنتائج أبحاث علم الآثار وعلم اللغة التاريخي فإنه ربما تبلورت Proto-North East Sudanic Language عندما استقرت رعاة الماشية معًا على وادي هور في الآلف الرابع قبل الميلاد. (Rilly, 2009)
فقد كان واي هور نهر دائم الجريان يصب في النيل جنوب منطقة دنقلة. وكان الوادي والمناطق حوله مأهولة بالسكان، وببداية عصر جفافه الوادي بدأ انفصال اللغات السودانية الشمالية الشرقية إلى اللغات proto-Meroitic وProto NubianوProto Nara ودخل متحدثو اللغة المروية النيل في منطقة كرمة حيث اسهموا في تأسيس مملكة كوش الأولى في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد. (Rilly, 2012, p 178 - 179
ورأى الباحثون - في بداية الأمر - أن اللغة المروية دخلت منطقة النيل في عصر الحكام الأوائل لمملكة نبتة في منتصف الألف الأول قبل الميلاد، إلا إنه يوجد دليل قوي على وجود اللغة المروية في آثار الهكسوس في مصرفي القرن السادس عشر قبل الميلاد. (Rilly, 2009) ولما كان عصر حكام كرمة يرجع إلى القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد، فإن اللغة الية – كما يرى كلود ريي -يرجع وجودها إلى ذلك التاريخ، أي القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد.
وبدأت اللغة المروية تظهر في الآثار المصرية القديمة منذ عصر الأسرة المصرية الثامنة عشرة (القرنيين 16 – 14 ق م) وورد أن المصريين عندما احتلوا السودان في القرن العشرين قبل الميلاد وجدوا السكان يتحدثون لغتين إحداهما لغة المِجا والثانية لغة الكوشيين وهي اللغة التي كان يتخاطب بها حكام كرمة. كما أمكن تتبع اللغة المروية في بعض أسماء الأعلام في عصر الحكم السوداني لمصر في القرن الثامن قبل الميلاد. (Rilly, 2012, p 5-6,14-16; Rilly, 2010. P 1173)
وظلت لغة الكوشيين (المروية) حية يتخاطب بها السودانيون بعد سقوط مملكة كوش الأولى على يد المصريين في القرن الخامس عشر قبل الميلاد. فقد ذكر عبد القادر محمود أن لغة الكوشيين "كانت اللغة التي تخاطب بها السودانيون في منطقة النوبة العليا [جنوب حلفا] ووسط السودان قبيل نهاية القرن الثامن قبل الميلاد" (عبد القادر محمود، اللغة المروية ص 35 -36) فلغة أهل كوش الثانية في عصريها النبتي والمرويهي نفسها لغة أهل كوش الأولى المعروفة لدينا الآن باللغة المروية.
وترجع البدايات المبكر لكتابة اللغة المروية كما يرى بعض الباحثين بناءً على ما ورد في بردية مصرية قديمة إلى القرن السادس عشر قبل الميلاد. (Rilly, 2012, p 6) وأقدم نص تم العثور عليه يرجع إلى عصر الملك الكوشي تانيدأماني في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد. (سامية بشير دفع الله، 2005 ص 377) وهكذا فإن اللغة التي كان يتكلم بها الكوشيون في كرمة منذ الألف الثالث قبل الميلاد هي اللغة التي نطلق عليها اليوم اللغة المروية، وتتكون من ثلاثة وعشرين حرفاً، وقد تمكن الباحثون من قراءتها لكنهم لم يتمكنوا بعد من التعرف على كل معاني كلماتها. (عبد القادر محمود، ج1 ص 266، 324)
اللغة المروية وانقطاع التخاطب بها يتساءل الكثيرون اليوم عن اللغة المروية أين هي؟ وأين من كانوا يتحدثون بها؟ كيف اختفت وهل انقرض متحدثوها؟ تدور مثل هذه الأسئلة في أذهان الكثيرين منا باحثين عن الإجابة الوافية لها. ونحن نعلم أنه توجد الكثير من نصوص اللغة المروية في آثار دولة كوش. فلماذا لم يتمكن الباحثون من معرفة معاني مفردات اللغة المروية كما حدث في اللغات القديمة مثل اللغة المصرية القديمة؟ وكيف تمكن العلماء من فهم معاني اللغات القديمة المنقرضة؟
سأحاول الإجابة على مثل هذه الأسئلة بصورة عامة تاركاً التفاصيل العلمية والدقيقة للمتخصصين في اللغة المروية واللغات القديمة. وسنأخذ اللغة المصرية كمثال. تم التعرف على معاني مفرداتها بفضل حجر رشيد الذي وجد عليه نص مكتوب باللغة المصرية القديمة برسميها الهيروغليفي وهو الرسم الكتابي للغة المصرية القديمة وكان مستخدما ومألوفاً لدى الكهنة، وبالرسم الديموطيقي وهو رسم الكتابة الشعبية في مصر القديمة المعروفة بالقبطية والذي يعرفه عامة الشعب، وباللغة اليونانية القديمة وهي لغة البطالمة حكام مصر في ذلك الوقت. وكتب بهذه الصورة لكي يتمكن الجميع من قراءته تمجيداً لأحد ملوك البطالمة. وجد هذا الأثر في منطقة رشيد في شمال مصر في عام 1799 ولذلك عرف بحجر رشيد.
وقام العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون 1922 بدراسة النصوص الثلاثة. فاللغة اليونانية القديمة معروفة معرفة تامة، واللغة القبطية لا تزال معروفة في مصر رغم ما طرأ عليها من تغير عبر القرون لكنها كانت لا تزال تحمل الكثير من معالم اللغة المصرية القديمة. فكان كل ذلك بمثابة المفاتيح للغة المصرية القديمة. وكانت الدراسات في اللغة المصرية القديمة قبل العثور على حجر رشيد قد توصلت إلى معرفة الدلالات الصوتية للغة. فقام شامبليون بمقارنة النصوص الثلاثة ببعضها، إلى جانب النصوص الهيروغليفية الأخرى وبعد جهد كبير ووقت طويل تمكن من قراءة وفهم النص الهيروغليفي على حجر رشيد. وهكذا بدأت معرفة معاني مفردات اللغة المصرية القديمة، وتمكن الباحثون بعد ذلك من قراءة وترجمة النصوص الهيروغليفية على كل الآثار المصرية فانكشف الغطاء عن الحضارة المصرية. وتبين للمصرين قدرهم ومقامهم بين شعوب العالم القديم، فأصبحوا فخورين به وتم وصل المصريين وربطهم بماضيهم.
أما اللغة المروية فلعل أهم الأسباب التي حالت دون التمكن من معرفة معانيها أنه لم يتم العثور بعد على نص مكتوب بها وباللغة الهيروغليفية التي كانت مستخدمة في كوش، أو باللغة اليونانية التي كانت أيضاً معروفة بكوش. ولما كانت اللغة المروية قد أصبحت اللغة المكتوبة للمملكة لمدة لنحو ستة قرون من بداية كتابتها في القرن الثاني قبل الميلاد وحتى انهيار المملكة في القرن الرابع الميلادي فلا بد من وجود الكثير من النصوص المكتوبة بها والتي تتطلب المزيد من العناية بالبحث والتنقيب عنها. ويؤدي ذلك إلى العثور على بعض المفاتيح التي تساعد على فهم اللغة.
ومن بين الأسباب التي حالت دون فهم اللغة المروية هو انقطاع تواصل التخاطب بها في وقت ما في القرون التي تلت انهيار مملكة مروي. إذ لا توجد اليوم جماعة تتحدث تلك اللغة أو تتحدث لغة أخرى تمثل امتداداً لها. والسؤال هو إذا كانت تلك اللغة معروفة منذ نحو ثلاثة ألف سنة قبل انهيار مملكة كوش، فلماذا اختفت وانقطع تواصل التخاطب بها؟ لعل من أهم أسباب ذلك:
1/ أن مملكة كوش الثانية كانت ممتدة امتداداً واسعاً من شرق السودان إلى دارفور ومن أسوان حتى النيل الأبيض. وأدى ذلك إلى وجود عدد كبير من اللغات داخل حدوها، فقد توقف استخدامها في المناطق التي توجد بها لغات محلية بعد انهيار سلطة المملكة في القرن الرابع الميلادي. وفي نفس الوقت برزت لغة جديدة هي لغة الفئة الحاكمة النوبية التي حلت محل المرويين. ففقدت اللغة المروية منذ نحو 1600 سنة مضت مكانتها وانحسرت بمضي الزمن حتى انقطع التخاطب بها في وقت ما قبل القرن الثالث عشر الميلادي (أنظر فيما يلي الفقرة رقم 3) أي بعد نحو 900 سنة من انهيار مملكة كوش.
2/ من المقبول جداً القول أن اللغة المروية كانت على أقل تقدير اللغة الأم لسكان المنطقة الواقعة بين الخرطوم والدبة، وكانت هنالك لغة أو لغات إلى جانبها في المنطقة نعرف منها اللغة النوبية القديمة. ولم تعد تلك اللغة الأم اللغة الرسمية للدولة إذ حلت محلها لغة الحكام الجدد الذين ظهروا في القرن السادس الميلادي باسم مملكة علوة، وأطلق المصادر العربية على سكانها اسم النوبة، وأطلقت عليهم المصادر المحلية مثل كتاب طبقات ود ضيف الله وكاتب الشونة اسمي النوبة والعنج. وحلت لغة أهل علوة في منطقة النيل الوسطى محل اللغة المروية منذ القرن الرابع الميلادي وبدأت اللغة المروية في التراجع. ويبدو أن أوضاع السكان قد بدأت تستقر في مملكتي مقرة وعلوة اللتين ورثتا مملكة كوش الثانية مما ساعد على استقرار اللغات الجديدة.
3/ لم ترد إشارة في المصادر إلى تحركات سكانية جديدة منذ قيام الممالك المسيحية في القرن السادس الميلادي وحتى بداية القرن الثالث عشر الميلادي حيث جاء خبر تحرك سكاني أتى من الجنوب أطلقت عليه المصادر العربية اسم الدمادم. ذكر ابن سعيد المغربي أنهم خرجوا "على بلاد النوبة والحبشة سنة سبع عشرة وستمائة [1220م] في طالع خروج التتر على بلاد العجم. وهم تتر السودان" (ابن سعيد المغربي، ج 1 ص 1 وقد اتفقت أغلب المصادر العربية على وضع الدمادم في المنطقة الواقعة جنوب حدود السودان واثيوبيا الحاليتين واتفقت على وصفهم تتر السودان. ذكر ابن خلدون خروجهم على الحبشة، (ابن خلدون، ج 1 ص 1) وذكر الدمشقي وابن الوردي أنهم " تتر السودان، يخرجون عليهم كل وقت فيقتلون ويأسرون وينهبون" (الدمشقي ص 211، 216 وابن الوردي ج 1 ص 29)
ويبدو أن الدمادم اسم عام أطلق على الهجرات التي اجتاحت المنطقة الواقعة بين حدود مملكة علوة الجنوبية والقرن الأفريقي في بداية القرن الثالث عشر الميلادي. كما يبدو أن تلك الهجرات كانت كبيرة العدد وعنيفة لدرجة وُصفت كتحركات المغول. ومن المقبول جداً أن تكون الهجرات التي دخلت مملكة علوة أدت إلى إضعاف سلطة المملكة، ولعل ذلك يتضح في وجود عدد كبير من الممالك وفي الاضطراب الذي كان سائداً في المنطقة إبان دخول سفارة المماليك في نهاية القرن الثالث عشر والتي أرسلت إلى عشرة ممالك في السودان كما ذكر ابن عبد الظاهر. (ابن عبد الظاهر ص 196 – 197)
وربما كان أثر تلك الهجرة على مملكة علوة في النواحي السياسية والتركيبة السكانية واللغوية مثل هجرة النوبة على مملكة كوش في القرن الرابع الميلادي. ومن الجائز أن تكون بعض العناصر الجديدة من الغزاة أو غيرهم من السكان الفارين أمامهم قد دخلت واستقرت في منطقة النيل الوسطى. وساعد ذلك على تعدد اللغات في هذه المنطقة التي كانت تمثل منطقة اللغة المروية الأم، وكل ذلك أدي إلى تراجع وضعف اللغة المروية.
4/ جاءت الضربة القاضية للغة المروية بدخول اللغة العربية لهذه المنطقة. ويصعب تحديد الوقت الذي دخل فيه الاسلام واللغة العربية منطقة النيل الأوسط، فالمسيحية كانت منتشرة فيها حتى سقوط سوبة اول القرن السادس عشر. ولم يرد في المصادر العربية –التي تمثل المصدر الأساس عن أحداث هذه الفترة –حتى عصر ابن إياس في القرن السادس عشر الميلادي ما يشير إلى دخول هجرات عربية للسودان قبل القرن الرابع عشر الميلادي ما عدا ما ذكره ابن خلدون عن قبيلة جهينة، وقد ناقشت ما قاله ابن خلدون عنها في مجلة الدراسات السودانية وخلصت إلى أن ما قاله ابن خلدون عن قبيلة جهينة ضعيف جداً ولا يحتج به. (أخمد الياس حسين، 2009، ص 69 – 110)
وقد أدى تدخل المماليك المستمر في المنطقة منذ نهاية القرن الثالث عشر الميلادي إلى ازدياد الاضطراب، وبدأت الخريطة السكانية واللغوية في منطقة النيل الأوسط تتشكل من جديد بتوسع انتشار الإسلام واللغة العربية. وظهرت القيادات الجديدة التي اشتهرت منها اسرتان هما أسرة الفونج التي كانت تتحدث لغة الجماعات التي استقرت بينها في أعالي النيل الأزرق، وأسرة العبدلاب الناطقة باللغة العربية، واتحدت الآسرتان فظهرت دولة الفونج الإسلامية. وساد الإسلام واللغة اللغة العربية بين سكان منطقة النيل الأوسط الذين تحركت مجموعات كبيرة منهم نحو الشمال والجنوب الشرقي إبان الحروب التي أدت إلى سقوط مملكة علوة.
وتكون المجتمع الجديد بانتشار الإسلام واللغة العربية في منطقة النيل الوسطى وانتشرت الخلاوي وزرائب الفقراء وبدأت كفة متكلمي اللغة العربية في العلو، فاختفت اللغات والانتماءات القديمة، وظهرت الانتماءات والأسماء القبلية للمجتمع الجديد مثل الجعليين والشايقية والرباطاب والبديرية. فحلت اللغة العربية محل لغة السكان المروية والنوبية القديمة. ولذلك من المقبول جداً أن تكون بقايا اللغة المروية (المروية) لا تزال موجودة في اللغة العربية الدارجة لسكان هذه المنطقة.
ولما كانت اللغة المروية من ناحية أخرى قد تعايشت مع اللغات الأخرى لمدة ألف ومائتي عام داخل حدود المملكة التي امتدت من شرق السودان إلى دارفور، فمن القبول أيضاً أن تكون بقايا اللغة المروية لا تزال موجودة في لغات هذه المناطق واضعين في اعتبارنا انتماء الغالبية العظمى لتلك اللغات إلى نفس أسرة اللغة المروية. وعلينا أن نتوجه بالبحث عن اللغة المروية – إلى جانب الحقول الأخرى – إلى اللغة العربية الدارجة واللغات السودانية الحالية.
اللغات النوبية القديمة خلفية تاريخية اللغة السودانية القديمة الأخرى التي انتشرت في السودان القديم هي اللغة النوبية Proto-Nubian التي تفرعت من اللغة السودانية الشمالية الشرقية وانتشرت في مناطق جنوب وادي هور (شمال دارفور) في الألف الثاني قبل الميلاد. ثم انتشر متحدثيها فيما بعد انتشاراً واسعاً في غرب ووسط وشمال السودان. وقد تتبع عدد من الباحثين تحركاتهم منذ منتصف الألف الأخير قبل الميلاد. وقسم زهلرز وتبعه عدد من الباحثين تحركات النوبة إلى قسمين لخصهما هللسون(Hillson, p 138-138, 144) وسامية بشير دفع الله(Samia, 1989, p 85) ونلخصهما في الآتي:
القسم الأول وأطلقوا عليه الحرف A، تحركت من هذا القسم مجموعتان في القرون الأخيرة السابقة للميلاد إحداهما اتجهت غرباً واستقرت في جبل ميدوب، واتجهت الثانية نحو النيل واستقرت مع من سبقهم من تحركات دخلت النيل من الصحراء الغربية في منطقة دنقلة. وإلى هؤلاء - كما يرى زهلرز - ترجع إشارة الكاتب اليوناني اراتوثين في القرن الثالث قبل الميلاد، وقد وضح مناطقهم في الصحراء جنوب وجنوب غرب منطقة الدبة الحالية.
ومع بداية العصر الميلادي تحركت بقية المجموعة A إلى جهتين، اتجت مجموعة جنوباً داخل كردفان. ولسكان جبال النوبة رواية عن هذا التحرك، تقول الرواية: إنهم وأبناء عمومتهم النوبة (في الشمال) كانوا يعيشون سويا حتى حدثت مشكلة بينهم أدت إلى رحيل أبناء عمومتهم شمالاً. واتجهت مجموعة أخرى عبر وادي الملك شمالاً نحو النيل واستقر في منطقة دنقلة.
القسم الثاني من تحركات النوبة أطلق عليهم زهلرز المجموعة B وهم بقية سكان المنطقة بعد خروج المجموعة الأولى A، وتحركوا في بداية القرن الرابع الميلادي واجتاحوا مملكة كوش الثانية في عصرها المروي. وفي القرون التالية تواصلوا مع إخوانهم نوبة الشمال بعد اعتناقهم جميعاً المسيحية. وهكذا يوضح الباحثون أن أحد المكون السكاني للجزيرة والبطانة ومناطق النيل شمالا أتى غرب السودان.
أقسام اللغة النوبية Proto-Nubian تعرفنا في الموضوع السابق (سكان السودان القدماء 4) على اللغة السودانية الشمالية الشرقية الني انحدرت منها مجموعة اللغات النوبية. وقد اتفقت آراء الباحثين مثل جرينبرج وترقر (Trigger, p 21)ودي مِندال وريلي (Rilly, 2009 p 2) وزهلرز وهللسون (Hillelson,1930, Ibid.)وهندرسون (Henderson 1931, p 93) أن اللغة النوبية Proto-Nubianعاشت في جنوب وادي هور حتى القرون الأخيرة من الألف الأخير قبل الميلاد ثم انقسمت إلى مجموعتين، تحركت أحدهما جنوباً نحو دارفور وكردفان مؤسسة اللغة النوبية القديمة في غرب السودان. وتحركت المجموعة شرقاً نحو النيل وتوسع انتشارها في القرن الرابع الميلادي. وتمكنت هذه المجموعة من تأسيس مملكة نوباديا. (Claude Rilly, “ Hillelson, 1930, p 138 – 139; Henderson 1931, p 39.)وساهم بقية النوبة بدور بارز في قيام مملكتي علوة والمَقُرّة، فأصبحت اللغة النوبية لغة الممالك الثلاث.
إذاً لدينا ثلاثة فروع للغة النوبية النيلية Proto-Nile Nubian هي: 1/ اللغة النوبية النيلية في مملكة علوة ونطلق عليها النوبة العلوية، 2/ اللغة النوبية النيلية في مملكة المقرة ونطلق عليه اللغة النوبة المقرية 3/ اللغة النوبية النيلية في مملكة نوباديا ونطلق عليها اللغة النوبة النوبادية.
1/ اللغة النوبية العلوية: جاء ذكر علوة مبكراً على مسلة الملك الكوشي نستاسن في القرن الثالث قبل الميلاد ضمن مناطق مملكة كوش. ويرى ماكمايكل أن علوة في نقش عيزانا في القرن الرابع الميلادي ربما كان مقصود بها مروي. ولا تتوفر معلومات عن هذا الفرع من اللغة النوبية إذ لم يعثر على نصوص مكتوبة به ما عدا بعض الرسوماتgraffiti في منطقة المصورات. (Mac Michael, Vol.1, p 46; Rilly,2010, p 1181) وقد ذكر ابن سليم الأسواني أن أساقفة مملكة علوة يكتبون "كتبهم بالرومية يفسرونها بلسانهم"(ابن سليم الأسواني، ص 102) ويقول ترقر"إننا لا نعلم هل كان أهل علوة يتحدثون نفس لهجة اللغة النوبية المنتشرة شمالاً أم كانت لهجتهم مختلفة". (Tigger, p 22
2/ اللغة النوبية المقرية يرى ريلي أن أصل اسم مَقُرّة يمكن أن إعادة تركيبه من كلمة Mag-ur نوبيين ومفردها Mag-ur-ti نوبي في الدنقلاوية القديمة Makuria. ويميل ريي إلى الربط بين اسم مقُرّة وبين الاسم Murgi,sing. Murgi-di الذي تطلقه قبيلة البرقد في دارفور على نفسها، وهي تتحدث فرع من اللغة النوبية. (Rolly, 2009, p 13ويرى آركل أن اسم مقرة ربما يرجع إلى اسم Tmkr الذي ورد في قائمة مقدمي الضرائب للملك تحتمس الثالث في عصر الدولة المصرية الحديثة. ويضيف آركل ان اسم مقرة يمكن أن يكون مرتبطاً بلقب حكام كوش kur اوqere أو مرتبطاً باللقب السلطاني kuri في لغة الفور. (Arkell, p 144, 185, 192)
وكانت النوبية المقرية أطلق كلود ريلي على اللغة المقرية Old Dongolawi وهي لغة مكتوبة ولكن ما هو معروف منها منحصر في بعض الكلمات التي وجدت في اللغة النوبية القديمة (فرع نوباديا) وفي بعض النقوش في جزيرة بَقَنارتي في منطقة أرقو الحالية. ويرى ملت Millet في (Trigger, p 20, 21) أن النوبية المقرية كانت منتشرة في القرن الثالث قبل الميلاد في النوبة السفلى. ويعني ذلك أن النوبة الذين بدأوا استقرارهم في منطقة دنقلة قد انشروا في وقت مبكر إلى شمالي مدينة حلفا. ويوجد الآن فرعان للغة المقرية هما لغة أهل دنقلة وتعرف بالأنداندي والفرع الثاني هو الفرع الكنزي الذي يتخاطب به الكنوز في السودان ومصر.
ولم يتوافق الباحثون بعد على متى وكيف انفصلت اللغة الدنقلاوية والكنزية، فعلى سبيل المثال يرى جرينبرجأن الانفصال بينهما تم نحو 860 م تزيد أم تنقص 200 سنة، (Tigger, p 22) ولا يقبل آدمز بذلك ويرى أن الانفصال حدث في وقت لاحق لهذا التاريخ. (Adams, p 42)
ورأي آخر يرى أن اللهجة الكنزية ظهرت في الشمال عندما عزل الأمير الكنزي من عرش دنقلة في القرن الرابع عشر الميلادي وجاء مع حاشيته وبعض الارستقراطية المقرية إلى منطقة أسوان فنقلوا اللهجة المقرية الدنقلاوية إلى المنطقة. (Rilly, 2012, p 70) فانتقال مثل هذه المجموعة التي تنعزل غالباً عن العامة من غير المقبول أن تؤثر لدرجة تغيير لهجة كل جماعة الكنوز. فالأمر يحتاج إلى المزيد من البحث.
3/ اللغة النوبادية تأسست مملكة نوباديا في القرن السادس الميلادي وضمتها مملكة مقرة لحدودها في آخر القرن السابع الميلادي، وأصبحت تمثل الإقليم الشمالي للمملكة. ولا نود الخوض في تفاصيل الآراء المتعددة حول تاريخ ومكان ظهور هذا الفرع (في هذا الكتاب؟ ج 2 ص 150 – 155) ونكتفي بتلخيص بعض ما ورد عن ذلك بإيجاز من أراء فيما يلي.:
دخل النوباديون النيل كما يرى آدمز في وقت ما قبل منتصف الألف الأول قبل الميلاد، واستشهد على ذلك بما توصل إلية K. H. Priese من وجود بعض الأسماء ذات الأصول النوبية على النيل وبخاصة بين منطقتي الشلالين الرابع والثالث تعود إلى عام 500 ق م. ولم يدخلوا النوبة السفلى – شمال وادي حلفا – لأنها كانت في تلك الفترة غير مأهولة بالسكان كما يرى بعض الباحثين. (Adams, p 18) ويرى أدمز أن النوباديين تحركوا على النيل شمالاً ودخلوا النوبة السفي عندما أُعيد تعميرها في القرنين الأول والثاني الميلاديين. وكانت المنطقة تابعة لمملكة كوش في عصرها المروي. (Adams, p 25)
ويرى Thelwall أن اسلاف النوباديين – ويطلق عليهم Pre-Nobiin– هم أول المجموعات النوبية التي دخلت النيل، وربما حدث ذلك في نهاية الألف الأخير قبل الميلاد. ويرى أن اسلاف الدناقلة pre-Dongolawi دخلوا منطقة النيل جنوب الشلال الثاني في وقت لاحق لهجرة النوباديين، وحلوا محل النوباديين عندما تحركوا شمالاً. (Thelwall, p 49)
ولا يوافق تِرِقر على دخول النوباديين النيل منذ القرون السابقة للميلاد، بل جعل دخولهم ضمن الفوج الذي دخل منطقة دنقلة في بداية العصر المسيحي. ويفترض ترقر أنهم مكثوا في منطقة دنقلة وتطبعوا ثقافياً قبل تحركهم الثاني شمالًا إلى النوبة السفلى" ويرى ترقر أن النوبية النوبادية حلت محل اللغة المروية في عصر ثقافة بلانة بين القرنين الثالث والسادس الميلاديين. (Tigger, p 22, 23)
وذكر المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس (ت 565م) كما ورد عند كل ماكمايكل(Mac Michael, Vol, 1 p 24) وآركل (Arkell, p 178) أن الاتفاق تم بين الرومان في عام 297م لقدوم قبيلة النوباتي "Noβtaι" من الواحة الخارجة والاستقرار على النيل جنوبي أسوان. ويرى بدج كما ذكر ماكمايكل على أن النوباتي قبيلة بدوية قوية، كان موطنها الأصلي في القرن الثالث الميلادي كردفان ودارفور، وعندما استدعاهم الرومان كانوا قد انتشروا شمالاً حتى الواحة الخارجة. (Mac Michael, vol. 1, p 24)
بينما يرى آخرون مثل جون الأفسوسي (John of Ephesus, p 49) أن النوباديين ينتمون إلى قبائل الأمازيغ (بربر الصحراء) ودخلوا منطقة النيل من الصحراء الغربية، وكذلك رأى دي فلارد كما نقل آركل Mac Michael, Vol, 1 p 179, 184). وصنف بالمر - كما نقل هندرسون - النوباديين مع قبيلة القرعان. (Henderson, p 93)
وهكذا اتفقت الآراء – ما عدا رواية بروكوبيوس – أن النوباد دخلوا النيل من مناطق شمال كردفان ودارفور بسبب الجفاف الذي ساد تلك المناطق. وقد بدأت المجموعات النوبية التحرك من وادي هور جنوباً واستقرت في مناطق شمال دارفور وكردفان في الألف الثاني قبل الميلاد Proto-Nubian، وبازدياد حدة الجفاف بدأ تحركهم نحو النيل.
ويقسم كلود ريلي (Rilly. 2010. P 1169) اللغة النيلية النوبية Proto-Nubian Nile إلى قسمين. 1. الدنقلاوية القديمة Old Dongolawi والتي انحدرت منها الأنداندي المعروفة باللغة الدنقلاوية والكنزية. 2. النوبية القديمة Old Nubian والتي انحدرت منها النوبين Nubiin المحسية. ووفقاً لهذا لذلك فإن اللغة النوبية القديمة هي لغة أهل مملكة نوباديا بينما لغة أهل دنقلة هي لغة مملكة المقرة. ويرى آدمز أنه لم يكن للغة النوبية القديمة أي أهمية أو صفة رسمية في مملكة المقرة (Adams, p 14) ويرى ثيول Thewall أنه كان لها موقع متميز في المملكة. (Thelwall, p 48)
مراجع البحث - أحمد الياس حسين، "قبيلة جهينة: هل تكاثرت وتغلبت على النوبة وأزالت ملكهم كما روى ابن خلدون، أم كانت غائبة تماما عن تلك الأحداث؟" مجلة الدراسات السودانية، معهد الدراسات افريقية والآسيوية، جامعة الخرطوم، العدد 15، أكتوبر 2009، صفحات 89 -110. - بليني، التاريخ الطبيعي، في سامية بشير دفع الله، السودان في كتب اليونان والرومان. الخرطوم: جامعة السودان المفتوحة، 2008 - بطلميوس، كتاب الجغرافيا في سامية بشير في سامية بشير دفع الله، السودان في كتب اليونان والرومان. - ابن حوقل، صورة الأرض، في مصطفى مجمد مسعد، المكتبة السودانية العربية. ابن سعيد المغربي، كتاب الجغرافيا، موقع الوراق http://http://www.warraq.comwww.warraq.com. - ابن خلدون، كتاب العبر، موقع الوراق. - الدمشقي، نخبة الدهر في عجائب البر والبحر، في مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية. - ابن عبد الظاهر، تشريف الأيام والعصور بسيرة الملك المنصور قلاوون، في مسعد، المكتبة السودانية، ص 196 – 197. - سامية بشير دفع الله، 2005 تاريخ مملكة كوش: نبتة ومروي، الخرطوم بحري: دار الأشقاء للطباعة والنشر - سترابو، كتاب الجغرافيا في سامية بشير دفع الله، السودان في كتب اليونان والرومان - ابن سُلَيم الأسواني، كتاب أخبار النوبة والمقرة وعلوة والبجة والنيل، في مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية العربية، ط 2، الخرطوم: دار المصورات للنشر 2014 - عبد القادر محمود، - المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، في مسعد، المكتبة السودانية - مصطفى محمد مسعد، الإسلام والنوبة في العصور الوسطى، مجموعة النصوص والوثائق العربية الخاصة بتاريخ السودان في العصور الوسطى، الخروم: درار المصورات للنشر 2014. - ابن الوردي، خريدة العجائب وفريدة الغرائب، موقع الوراق. - - Adams, W. Y. 1982, “The coming of Nubian Speakers to the Nile Valley” in Christopher Ehret and MerrikPosnansky (ed.) The Archaeological and Linguistic Reconstruction of African History,Berkeley and Los Angeles: University of California Press, 1982. - Arkell, A. J. A History of the Sudan, London: University of London, 1961 - Dimmendaal, G. 2007, “Eastern Sudanic and the WadiHower and Wadi el Milk Diaspora” Sparch und Geschechte in Afrika - Dimmendaal, Gerrit. 2010 “Differential objects Marking in Nilo-Saharan” Journal of African Languages, 31(1)13 – 46. - Dimmendal et al. 2017, “Nilo-Saharan Languages” http://www.britanica.comhttp://www.britanica.com Nov. 17. - . Dimmendaal-Jakobi, 2018 Eastern Sudanic (Handbook of African Languages). PDFArticle,Feb 13. - Henderson, K. D. D. 1931و “Nubian Origin” Sudan Notes and Records, vol. 14, part 1. - Hillelson, S. 1975 “Nubian Origin” Sudan Notes and Records, Vol.13, 1930. - John of Ephesus, in Giovanni Vantini, Oriental Sources Concerning Nubia, Heidelberg and Warsaw. - Mac Michael, H. A. 1967, A History of the Arabs in the Sudan, London: Frank Cass and Co. - Ochala, Grezgors, 2014 “Multilingual in Christian Nubia: A Qualitative and Quantitative approach” Dotawa: A Journal of Nubian Studies, Vol. 1. - Rilly, Claude and de Voogt, Alex, 2012 the Meroitic Language and Writing System, Cambridge University Press. - Rilly, Clude, 2010 “Language and Ethnicity in Ancient Sudan. Proceedings of the Nubian Studies Conference, London: British Museum. - Rilly, Claude, “Enemy Brothers and Relationship between Meroites and Nubians (Niba) 2008. PAM Supplement Series 2.1 - Rilly, Claude, 2009 “From the Yellow Nile to the Blue Nile: the Quest for water and the Diffusion of Northern Eastern Sudanic Languages from the 4th to the 1st Millennia BCE” 3rd European Conference on African Studies, Panel 142, Leipzig.4 to 7 June. - Samia Bashir Dafa'la, 1989 “Distribution and Migration of the Nubian Tribes During the Meroitic and X-Group period” BzS,4 ( - Thelwall, Robin, 1982 “Linguistic Aspicts of Greater Nubian History” in Christopher Ehret and MerrikPosnansky (ed.) The Archaeological and Linguistic Reconstruction of African History,Berkeley and Los Angeles: University of California Press. - Trigger, Bruce, 1966 “The Languages of Northern Sudan” The Journal of African History, Vol. 7, No. 1.
|
|
 
|
|
|
|